ومما يصلح مثالًا لهذا القسم النهي عن البيع وما في معناه من العقود وقت النداء، وإنما نهي عنه، لكونه بالجملة متصفًا بكونه مفوتًا للجمعة، أو مفضيًا إلى التفويت بالتشاغل بالبيع، لكن هذا الوصف غير لازم للبيع لجواز أن يعقد مائة عقد ما بين النداء إلى الصلاة، ثم يدركها؛ فلا تفوت؛ فالأولى في هذا العقد الصحة لوجوه: أحدها: ضعف المانع لصحته، وهو هذا الوصف الضعيف العرضي. الثاني: معارضته بأن الأصل صحة تصرفات المكلفين، خصوصًا في معاملاتهم التي راعى الشرع مصالحهم فيها؛ فلا يترك هذا الأصل إلا لدليل قوي سالم عن معارض ... الثالث: أن ضعف المانع، وقوة المعارض المذكورين، تعاضدا على تخصيص النص المقتضي للمنع، وهو قوله عز وجل: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: ٩]، إذ ذلك يدل على أن المنهي عنه بيع خاص، وهو المفوت للصلاة، مثل أن يشرع في مساومة بيع تتطاول مدته عند تكبير الإمام للجمعة، أو قريبًا منه، وصحة البيع عند النداء تكره ولا تفسد عند أبي حنيفة وغيره، وهو وجه مخرج عندنا، وهو قوي لما ذكرنا. والصحيح من مذهب أحمد أنه لا يصح لظاهر النهي، وما ذكرناه في تضعيف اقتضائه البطلان وارد عليه، والله تعالى أعلم بالصواب). وانظر أيضا التحبير (٥/ ٢٢٩٧). (٢) وقد وافق الشيخ العثيمين قول الأكثرين في هذه الحالة، فقال في باب النهي: (صيغة النهي عند الإطلاق تقتضي تحريم المنهي عنه وفساده. وقاعدة المذهب في المنهي عنه هل يكون باطلاً أو صحيحاً مع التحريم كما يلي: ١ - أن يكون النهي عائداً إلى ذات المنهي عنه أو شرطه فيكون باطلاً. ٢ - أن يكون النهي عائداً إلى أمر خارج لا يتعلق بذات المنهي عنه ولا شرطه فلا يكون باطلاً).