للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعليه فلا بد من تقييد إطلاق كلا القولين، فمن قال بالمنع يقيد قوله بأن يكون الرفع قبل وقوع الخبر، ومن قال بالجواز يقيد قوله بأن يكون البيان بعد وقوع الخبر على نحو ما أُخبر به.

ولنتوقف مع ما مثلوا به عن الخبر الذي يقبل التغيير من إيمان زيد، فلو أخبر الشارع بإيمان زيد فهو لا محالة واقع وصدق، والقول بجواز نسخ هذا الخبر يحتمل أحد أمرين أن ينسخ قبل وقوعه، أو بعد وقوعه، فإن كان الأول لزم تكذيب الخبر ويمتنع نسخه على كلا القولين، وإن كان بعد وقوعه فلا مانع من نسخه على كلا القولين.

فرع: يجوز نسخ الخبر إذا كان مرادا به الإنشاء:

إن كان الخبر عن حكم جاز نسخه قطعا بلا خلاف؛ لأنه في الحقيقة إنشاء، قاله البرماوي وغيره.

وذلك كقوله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ) [سورة البقرة: الآية ٢٢٨]، وقوله: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ) [سورة البقرة: الآية ٢٤٠] وقوله: (فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا) [سورة آل عمران: الآية ٩٧].

ثانيا - لا تنسخ الأحكام التي تكون مصلحة في كل زمان ومكان:

قال في "الأصل" (ص/٥٣): (الأحكام التي تكون مصلحة في كل زمان ومكان كالتوحيد وأصول الإيمان وأصول العبادات ومكارم الأخلاق من الصدق والعفاف والكرم والشجاعة ونحو ذلك فلا يمكن نسخ الأمر بها وكذلك لا يمكن نسخ النهي عما هو قبيح في كل زمان ومكان كالشرك والكفر ومساوئ الأخلاق من الكذب والفجور والبخل والجبن ونحو ذلك، إذ الشرائع كلها لمصالح العباد ودفع المفاسد عنهم).

تضمن كلام الشيخ جملة من الأحكام التي لا يدخلها النسخ، وسوف نفصل الكلام عن جزئيات الكلام.

[١ - النسخ في مكارم الأخلاق ومساوئها:]

قال المرداوي في "التحبير" (٦/ ٣١٠٩): (وأما ما قبح وحسن لذاته كمعرفة الله تعالى، وتحريم الكفر، والظلم، والكذب، والقبائح العقلية، وشكر المنعم، فهل

<<  <   >  >>