للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والأليق بحال المجتهد الشرط الأول وعدم الاكتفاء بمعرفة الأدلة الدالة على الأحكام بطريق النصّ أو الظاهر دون ما كانت دلالته خفية. وحصر الأدلة في عدد معين لا دليل عيه، وأحكام الشرع كما تستنبط من الأوامر والنواهي؛ كذلك تستنبط من الأقاصيص والمواعظ ونحوها، فقل أن يوجد في القرآن آية إلا ويستنبط منها شيء من الأحكام.

وليس معنى ذلك أن المجتهد يستحضر جميع ما ورد في المسالة من أدلة بل يجتهد قدر طاقته وهو دائر بين الأجر والأجرين.

والصحابة هم أعلم الناس بالأدلة ووجوه دلالتها على الأحكام، إلا أنه قد يخفى على بعضهم بعض الأدلة سواء أكانت دلالتها على الحكم ظاهرة أم خفية، وليس معنى هذا الاكتفاء ببعض الأدلة دون بعض بل المقصود وجود ملكة الاستنباط وبذل الوسع في معرفة الحكم الشرعي.

وأما القول بأن الإحاطةَ بكلِّ ما في القرآن من المعاني ليس ممكناً، فلو اشترطنا ذلك لما تمكن أحدٌ من الاجتهاد، فليس بصحيح فمن عرف دلالات الألفاظ، وأصول الفقه سهل عليه استنباط الأحكام من الأدلة بالقوة القريبة، وإنما يكفيه أن يستقرئ الأدلة للوصول للحكم الشرعي، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وقد جمعت السنة في دواوين وسهل الوقوف على الأدلة أكثر من ذي قبل.

[فائدة:]

قال الطوفي في " شرح مختصر الروضة" (٣/ ٥٧٨): (قوله: «بحيث يمكن استحضارها للاحتجاج بها، لا حفظها»، أي: القدر المعتبر معرفته للمجتهد من القرآن الكريم لا يشترط في حقه أن يحفظه، وإن حفظه، فلا يشترط حفظه بلفظه، بل يكفيه أن يكون مستحضرا، بمعنى أنه يعرف مواقعه من مظانه، ليحتج به عند الحاجة إليه، لأن مقصود الاجتهاد - وهو إثبات الحكم بدليله - يحصل بذلك) (١).

وقد ذهب بعض العلماء إلى اشتراط حفظ جميع القرآن: فقد نقله ابن عقيل عن كثير من العلماء فقال في "الواضح" (١/ ٢٧٠): (ويجب عند كثير من أهل العلم أن


(١) انظر: "شرح الكوكب المنير" (٤/ ٤٦١).

<<  <   >  >>