ظهر مما سبق أنه يصح في المذهب استثناء الأقل، ولا يصح استثناء الكل، وأما استثناء النصف ففيه خلاف، وظاهر المذهب أنه يصح، وأما استثناء الأكثر فالراجح في المذهب أنه لا يصح، وما اختاره الشيخ العثيمين من صحة الاستثناء للأكثر هو الأولى، وهو قول أكثر الفقهاء، والمتكلمين، واختاره الغزالي وابن الحاجب، والبيضاوي، وغيرهم (١).
وهناك شروطًا أخرى لصحة الاستثناء لم يتكلم عليها المؤلف كأن يكون المستثنى من جنس المستثنى منه، وكأن يلي الاستثناء الكلام بلا حرف عطف، وأن لا يكون الاستثناء من شيء معلوم مشار إليه، وأن يكون المستثنى بعضا من المستثنى منه قصدا لا تبعا، وأن ينوي الاستثناء حين النطق بالمستثنى منه ...
ولن نستطرد في الكلام على هذا الشروط؛ لأن هذا يخرجنا عن منهجنا في شرح الكتاب إلا أن مسألة الاستثناء المنقطع تكلم عليها الشيخ في الشرح عند مسألة الفرق بين العام والمطلق، وهي من الأهمية بمكان نظرا لتعلق كثير من الفروع الفقهية بها، وعليه فسوف نناقشها الآن - بإذن الله -.
[هل يشترط لصحة الاستثناء أن يكون المستثنى من نفس جنس المستثنى منه؟]
اشترط الحنابلة هذا الشرط ولم يحكموا بصحة الاستثناء المنقطع.
قال ابن بدران في "المدخل" (ص/ ٢٥٤ (: (يشترط أن لا يكون المستثنى من غير جنس المستثنى منه فلا يصح أن يقال قام القوم إلا حمارا مع إرادة الحقيقة فإن أراد المجاز صح هنا بأن يجعل الحمار كناية عن البليد والكلام هنا في فن الأصول لا في فن النحو لأن كلامنا في التخصيص وعدمه والنحاة يتكلمون على الجواز لغة لا شرعا على أن أهل العربية يسمون الاستثناء من غير الجنس منقطعا ويقدرون إلا فيه بمعنى لكن لاشتراكهما في معنى الاستدراك بها فافترقا وأما قول الخرقي في مختصره ومن أقر بشيء واستثنى من غير جنسه كان استثناؤه باطلا إلا أن يستثني عينا من ورق أو
(١) انظر: المستصفى (١/ ٢٥٩)، رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب (٣/ ٢٦٠)، نهاية السول (٢/ ٤١١).