للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأكثر حصل المقصود.

ولتقرير الدليل من ذلك وجه آخر، وهو أنه سبحانه وتعالى استثنى الغاوين من العباد، والغاوون أكثر؛ بدليل قوله عز وجل: (وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) [الأعراف: ١٧]، (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) [العنكبوت: ٦٣]، (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) [البقرة: ١٠٠] ...

والجواب الصحيح عن الآية: هو أنا نمنع من استثناء الأكثر إذا صرح بعدد المستثنى منه، أما إذا لم يصرح به؛ فهو جائز باتفاق، كما إذا قال: خذ ما في هذا الكيس من الدراهم إلا الزيوف، وكانت أكثر، والآية من هذا الباب لم يصرح فيها بعدد المستثنى منه، بل قال سبحانه وتعالى: (إِنَّ عِبَادِي)، وهو مقدار غير معين، بخلاف: له عندي مائة إلا تسعين؛ فهذا هو الممنوع).

قال ابن النجار في "شرح الكوكب" (٣/ ٣٠٦): ((ويصح استثناء النصف) في أحد الوجهين لأصحابنا. قال في الإنصاف: وهو المذهب. قال ابن هبيرة: الصحة ظاهر المذهب، وصححه في التصحيح، وتصحيح المحرر، والرعايتين، والحاوي الصغير، واختاره ابن عبدوس في تذكرته وجزم به في الإرشاد والوجيز والمنور، ومنتخب الآدمي ... والوجه الثاني: لا يصح. (لا الأكثر) يعني أنه لا يصح استثناء أكثر من النصف من عدد مسمى، كقوله: له علي عشرة إلا ستة، عند الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه وأصحابه وأبي يوسف وابن الماجشون، وأكثر النحاة. وذكر ابن هبيرة: أنه قول أهل اللغة. ونقله أبو حامد الإسفراييني وأبو حيان في الارتشاف عن نحاة البصرة. ونقله ابن السمعاني وغيره عن الأشعري. وقيل: بلى. قال ابن مفلح: وعند أكثر الفقهاء والمتكلمين: يصح. ويستثنى من القول بعدم صحة استثناء الأكثر ما أشير إليه بقوله (إلا إذا كانت الكثرة من دليل خارج عن اللفظ) نحو قوله سبحانه وتعالى: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ) [الحجر: ٤٢] وقوله تعالى: (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٢) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٨٣)) وقوله تعالى: (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) [يوسف: ١٠٣] لأن هذا تخصيص بصفة ... فلو قال: اقتل من في الدار إلا بني تميم، أو إلا البيض، فكانوا كلهم ` بني تميم أو بيضا لم يجز قتلهم، بخلاف العدد ... ).

<<  <   >  >>