وقال في "الأصل"(ص/٥٧): (ما فعله تعبداً فواجب عليه حتى يحصل البلاغ لوجوب التبليغ عليه، ثم يكون مندوباً في حقه وحقنا على أصح الأقوال، وذلك لأن فعله تعبداً يدل على مشروعيته، والأصل عدم العقاب على الترك فيكون مشروعاً لا عقاب في تركه، وهذا حقيقة المندوب.
مثال ذلك: حديث عائشة أنها سئلت بأي شيء كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يبدأ إذا دخل بيته؟ قالت: (بالسواك)، فليس في السواك عند دخول البيت إلا مجرد الفعل، فيكون مندوباً).
[الفعل البياني:]
البيان واجب على النبي - صلى الله عليه وسلم - لقوله تعالى:(وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ)[النحل: ٤٤]، وحكم الفعل البياني يكون بحسب ما هو بيان له، فإن كان الفعل بيانا لآية دالة على الوجوب، دل على الوجوب، وإن كان المبين ندبا كان الفعل البياني ندبا، وإن كان إباحة كان الفعل مباحا.
قال المرداوي في "التحبير"(٣/ ١٤٦٢): (قوله: {وما كان بيانا بقوله - صلى الله عليه وسلم - كقوله - صلى الله عليه وسلم -: (صلوا كما رأيتموني أصلي)، وفعله عند الحاجة كقطع السارق من الكوع}، وإدخال المرافق والكعبين في الغسل، {فبيان} لقوله تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا)[المائدة: ٣٨]، ولقوله تعالى:(فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ)[المائدة: ٦]، وهذا متفق عليه عند العلماء، وواجب عليه الإعلام به، لوجوب التبليغ عليه. فإن قلت: لا يتعين التبليغ بالفعل. قلت: لا يخرج ذلك عن كونه واجبا، فإن الواجب المخير توصف كل من خصاله بالوجوب. قال العضد:(ومعرفة كونه بيانا، إما بقول، وإما بقرينة. فالقول نحو: (خذوا عني مناسككم)، و (صلوا كما رأيتموني أصلي). والقرينة مثل: أن يقع الفعل بعد إجمال: كقطع يد السارق من الكوع دون المرفق والعضد، بعدما نزل قوله تعالى: (وَالسَّارِقُ