أعلم أن التعارض الحقيقي بين الأدلة ينافي الجمع والترجيح والنسخ بين الأدلة، فالتعارض الحقيقي الذي توارد فيه الدليلان المتساويان في القوة والثبوت بالسلب والإيجاب على محل واحد في زمن واحد وجهة واحدة ينافي طرق التوفيق بين الدليلين. وأما التعارض الظاهري فلا ينافي الجمع ولا الترجيح ولا النسخ.
سبق وأن ذكرت قول الخلال:(لا يجوز أن يوجد في الشرع خبران متعارضان ليس مع أحدهما ترجيح يقدم، فأحد المتعارضين باطل إما لكذب الناقل، أو خطأ بوجه ما من النقليات، أو خطأ الناظر في النظريات، أو لبطلان حكمه بالنسخ).
وقال الشيخ عياض السلمي في "أصوله"(ص/٤١٧) بعد أن ذكر شروط التعارض: (وهذه الشروط التي يذكرها بعضُ الأصوليين لو تحقّقت لانسدَّ بابُ الترجيح، وامتنع الجمعُ بين الدليلين، وامتنع القولُ بالنسخ؛ لأن الدليلين إذا تساويا في الثبوت والقوَّة لا يُمكنُ الترجيحُ بينهما، وإذا اتّحدا في المحلّ والزمان والجهة لا يُمكنُ الجمعُ بينهما، ولا القولُ بنسخ أحدهما بالآخَر).
[أيهما يقدم النسخ أم الجمع:]
ما ذهب إليه الشيخ هو مذهب الجمهور، وخالف الأحناف فقدموا النسخ على الجمع.
قال ابن قدامة في "الروضة"(ص/٢٥١): (إذا تعارض عمومان فأمكن الجمع بينهما بأن يكون أحدهما أخص من الآخر فيقدم الخاص أو يكون أحدهما يمكن حمله على تأويل الصحيح والآخر غير ممكن تأويله فيجب التأويل في المؤول ويكون الآخر دليلا على المراد منه جمعا بين الحديثين إذ هو أولى من إلغائهما وإن تعذر الجمع بينهما لتساويهما ولكونهما متناقضين كما لو قال من بدل دينه فاقتلوه من بدل دينه فلا تقتلوه فلا بد أن يكون أحدهما ناسخا للآخر فإن أشكل التاريخ طلب الحكم من دليل غيرهما).
قال ابن أمير الحاج في "التقرير والتحبير"(٣/ ٤): (حكمه أي التعارض صورة