ويعلم بقرائن الأحوال أنه يريد جواب السائل، كالذي سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن مواقيت الصلاة، فقال:(صل معنا) فصلى في اليوم الأول في أول الوقت، وصلى في اليوم الثاني في آخره، فعلم بذلك أول الوقت وآخر. ولما قال - صلى الله عليه وسلم -: (أين السائل؟ الوقت ما بين هذين). زاد ما علم من القرائن توكيداً، وانتقل بذلك إلى الطريقة الأول.
الطريق الخامسة: وقد قررها أبو نصر القشيري، وخلاصتها أن يعتبر الفعل بيانا للمجمل، إن كان المجمل قد ورد، وفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يصلح أن يكون بيانا لذلك المجمل، ولم تقترن بالفعل قرينة تدل على أنه هو البيان، ولم يرد بيان آخر قولي ولا فعلي وتوفى النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يرد بيان غير ذلك الفعل الصالح للبيان. قال القشيري:"ولا يخترم - صلى الله عليه وسلم - مع بقاء الالتباس في اللفظ المجمل. فيحمل فعله على البيان في مثل هذه الصورة إجماعا من الأمة". ومثاله الجزية، إذ قد وردت مجملة، وأخذها النبي - صلى الله عليه وسلم - بمقادير معينة.
[ما يدل عليه الفعل البياني من الأحكام:]
حكم الفعل البياني عند الأصوليين بحسب ما هو بيان له، فيرجع إلى المبين في معرفة حكمه.
فإن كان الفعل بيانا لآية دالة على الوجوب، دل على الوجوب، كقوله تعالى:(وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ)[البقرة: ٤٣] بيّن - صلى الله عليه وسلم - بفعله ميقات صلاة الظهر مثلاً، فيجب إيقاعها في ذلك الوقت. ويبين أنها أربع ركعات، فلا يجزئ غير ذلك. وبين ما فيها من القيام والركوع والسجود. فوجب الإتيان بها في الصلاة.
وكذلك الجمعة، بين - صلى الله عليه وسلم - بفعله أنها ركعتان.
ودليل كون الفعل بيانا في أكثر هذه الفروع الإجماع.
وإن كان المبين ندبا كان الفعل البياني ندبا كإقامة ثالث أيام التشريق بمنى إلى ما قبل الغروب، وكأفعال العمرة.