فهو أحسن بكثير من محاولة إثبات علة قد تكون عليلة. وهذا له فوائد:
أولا - لنعوِّد الناس على تمام الاستسلام لله عز وجل، وأنَّنا نتعبد لله بهذا سواء علمنا الحكمة أم لم نعلم.
وثانيا - أننا إذا اعتمدنا على النص انقطع النزاعِ بين المؤمنين، وإلا فإن الكافر يجادل، لكن المؤمن يعرف قول الله:(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)(الأحزاب: ٣٦).
فكثير من الناس يحاول التماس علة للأحكام الشرعية- وهذا حسن، ولا ننكره بل نؤيده- لكن كوننا نجعله أصلا فيكون الأصلُ هو معرفة العلة، فهذا فيه نظر، بل ينبغي أن نعوِّد الناسَ اللجوء إلى حكم الله ورسوله ... ).
[القياس في العبادات:]
قال الشيخ في "شرح الأصول"(ص/٥٢٩): (إذا كان حكم الأصل تعبديًا محضًا لم يصح القياس عليه؛ ولهذا قلنا: لا قياس في العبادات- ليس في شروطها وأركانها- لكن في أصل مشروعيتها ... ).
اعلم أنه لا خلاف بين العلماء في عدم جواز إثبات عبادة جديدة زائدة على العبادات المعلومة بالنصوص الشرعية من الكتاب والسنة بالقياس مثل إثبات صلاة سادسة أو إيجاب صوم شهر آخر غير رمضان بالقياس، وذلك لأمور كثيرة منها:
١ - أن العبادات توقيفية.
٢ - أن إثبات عبادات جديدة بطريق غير النقل يعد ابتداعا في الدين.
٣ - أن كل عبادة في نفسها أصل من حيث أنها عادة مبتدأة مستقلة ولا يمكن إثبات أصل بالقياس.
وقد سبق ذكر أنه لا يجري القياس فيما لا يعقل معناه من العبادات، وهذا لا خلاف فيه بين العلماء، وذلك لأن القياس فرع تعقل المعنى فما لا يهتدي العقل إلى تعقل معناه لا يمكن أن يجري القياس فيه كأعداد الصلوات وعدد الركعات، ونصب الزكوات، ونحو ذلك.