قال الشيخ في الأصل:(مثاله بعد الحظر قوله تعالى: (وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا)[المائدة: ٢]. فالأمر بالاصطياد للإباحة لوقوعه بعد الحظر المستفاد من قوله تعالى:(غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ)[المائدة: ١]).
قال المرداوي في التحبير (٥/ ٢٢٤٦) ما مختصره: ((أحمد، ومالك، وأصحابهما، والشافعي، والأكثر: الأمر بعد الحظر للإباحة)، هذا هو الصحيح الذي عليه الجمهور ومحل ذلك: إذا فرعنا على أن اقتضاء الأمر الوجوب فورد بعد حظر ففيه هذا الخلاف. والصحيح أنه للإباحة حقيقة؛ لتبادرهما إلى الذهن في ذلك؛ لعلية استعماله فيها حينئذ، والتبادر علامة للحقيقة. وأيضا: فإن النهي يدل على التحريم فورود الأمر بعده يكون لرفع التحريم وهو المتبادر، فالوجوب أو الندب زيادة لا بد لها من دليل ... (وذهب الشيخ) تقي الدين، وجمع - وهو ظاهر كلام القفال الشاشي - والبلقيني (أنه كما قبل الحظر) فهو لدفع الحظر السابق وإعادة حال الفعل إلى ما كان قبل الحظر، فإن كان مباحا كانت للإباحة نحو:(وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا)[المائدة: ٢]، أو واجبا كانت للوجوب ... قال الشيخ تقي الدين: وعليه يخرج (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ)[التوبة: ٥] الآية. (وقال: هو المعروف عن السلف والأئمة). انتهى).
وفي المسألة أقوال أخر، وإنما اكتفيت بهذين القولين لأنهما الأقوى ولشهرتهما، ولأن الخلاف بينهما لفظي في وجه كما سيأتي بعد قليل - بإذن الله -.
(١) ولاحظ أن المقصود بالأمر هنا هو ما كان على إحدى صيغه الأربع المعروفة (فعل الأمر، اسم فعل الأمر، المصدر النائب عن فعل الأمر، المضارع المقرون بلام الأمر) وليس مقصودا هنا الصيغ التي يستفاد منها طلب الفعل، مثل أن يوصف بأنه فرض، أو واجب، أو مندوب، أو طاعة، أو يمدح فاعله، أو يذم تاركه، أو يرتب على فعله ثواب، أو على تركه عقاب، وهكذا، بمعنى أن هذه المسالة مفترضة في نحو قوله تعالى: (وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا) [المائدة: ٢]، وليست في نحو قوله: وإذا حللتم فيجب عليكم الاصطياد، وقوله: وإذا حللتم فقد فرضت عليكم الاصطياد. وراجع شرح الشيخ أحمد بن حميد على الورقات. ولاحظ أيضا أنه ليس الكلام هنا على الأمر المجرد عن القرينة، وإنما وروده بعد الحظر قرينة بسببها اختلف العلماء في كون الأمر للإباحة أم لغيرها كما سيأتي - بإذن الله - الكلام في ذلك.