من الاجتهاد في بعض المسائل دون بعض، كالنحوي في مسألة نحوية، والمحدث في مسألة خبرية تتعلق بعلم أحوال الرواة، ونحو ذلك؛ هو محل اجتهاد، وإلحاقه بالعامي أشبه بخلاف المجتهد المستقل بمعرفة الحكم إذا اجتهد.
فحصل من هذا الباب أن المراتب أربع:
عامي محض.
متمكن من الاجتهاد في البعض دون البعض.
مجتهد كامل لم يجتهد.
مجتهد كامل اجتهد وظن الحكم.
فالطرفان قد عرف حكمهما وهو أن العامي يقلد، والمجتهد بالفعل الظان للحكم لا يقلد، والمجتهد الكامل الذي لم يجتهد مختلف فيه، والأظهر أنه لا يقلد، ويلحق به من اجتهد بالفعل، ولم يظن الحكم لتعارض الأدلة أو غيره بطريق أولى، والمتمكن من الاجتهاد في البعض دون البعض الأشبه أن يقلد؛ لأنه عامي من وجه، ويحتمل أن لا يقلد، لأنه مجتهد من وجه، فهو محل اجتهاد، وله مراتب متعددة بحسب ما يتمكن من الاجتهاد فيه من المسائل.
قوله:«ووجه بقية التفاصيل ظاهر» يعني التفاصيل المذكورة في «المختصر» وكذا في غيره.
أما الفرق بين ضيق الوقت وسعته، فلأن في تقليده مع ضيق الوقت تحصيلا للعمل في وقته بقول مجتهد ما، فهو أولى من إخلاء الوقت عن وظيفته لتوقع ظهور الحكم بالاجتهاد.
وأما الفرق بين تقليده للعمل والفتيا؛ فلأن تقليده ليعمل به هو تصرف فيما يخص نفسه من العمل، فجاز كتوكيله في حق نفسه، بخلاف تقليده لفتيا الغير، لأنه كتوكيله في حق غيره.
وأما الفرق بين تقليده من هو أعلم منه دون غيره؛ فلأن تقليده أعلم منه يفيده ظنا غالبا أعلى من ظهور ظنه ورتبته، إذ الغالب أن الأعلم أقرب إلى الحق، والإصابة عليه أغلب، فصار كاجتهاده هو في الحكم بخلاف تقليده دونه، إذ لا يفيده الظن ومن هو مثله، إذ لا مرجح له على اجتهاده لنفسه.