والثالث - أن يكون غير بالغ مبلغ المجتهدين لكنه يفهم الدليل وموقعه ويصلح فهمه للترجيح بالمرجحات المعتبرة فيه تحقيق المناط ونحوه فلا يخلو إما أن يعتبر ترجيحها أو نظره أو لا فإن اعتبرناه صار مثل المجتهد في ذلك الوجه. والمجتهد إنما هو تابع للعلم الحاكم ناظر نحوه متوجه شطره فالذي يشبهه كذلك، وإن لم نعتبره فلا بد من رجوعه إلى درجة العامي والعامي إنما اتبع المجتهد من جهة توجهه إلى صوب العلم الحاكم فكذلك من نزل منزلته).
[وقد فرق بينهما جماعة من العلماء:]
قال الشيخ سعد الشثري في:"التقليد وأحكامه"(ص/٣١): (ذهب بعض أهل العلم إلى التفريق بين رتبة الإتباع والتقليد: فقالوا: التقليد التزام المكلف مذهب غيره بلا حجة.
وأما الإتباع: فهو ما ثبت عليه حجة.
وممن قال بذلك ابن خويز منداد المالكي، وابن عبدالبر، وابن القيم، والشاطبي، وغيرهم.
وهؤلاء سوغوا الإتباع ومنعوا التقليد.
قالوا: إن الناس حولهم فيهم المجتهد نادرا، المقلد كثيرا، ونلاحظ وجود قسم آخر وسط بين النوعين السابقين وهذا ما نسميه الإتباع، ونسمي أصحابه متبعين.
وهؤلاء ليس عندهم القدرة على الاستقلال وفهم الأدلة واستنباط الأحكام منها، ولكنهم في نفس الوقت يفهمون الحجة ويعرفون الدليل فتسميتهم مقلدين ظلم لمعرفتهم بالدليل، وليسوا مجتهدين لعدم استقلالهم بالنظر.
قالوا: ولأن ثمة فرقا بينهما، فالتقليد لا يستعمل إلا في الموافقة العمياء بدون دليل، أما الإتباع فهو للموافقة ... فالموافقة نوعان:
موافقة عمياء وموافقة مبصرة مميزة، لذا مدح الله أهل هذه المرتبة، قال تعالى: (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) [الزمر: ١٨].
وكثير من أهل الأصول على عدم التفريق بينهما، يدل على ذلك تفسير كثير منهم التقليد بالإتباع.
قالوا: ويدل على ذلك أن معنى الإتباع والتقليد واحد من جهة اللغة.