للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان الأولى أن يعلل الشيخ اختياره بقوله: (لأن الكل شرع من عند الله، قال تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) [سورة النجم: ٣، ٤].

أو يقول: (إن الناسخ في الحقيقة إنما جاء رافعًا لاستمرار حكم المنسوخ ودوامه، وذلك ظني وإن كان دليله قطعيًا، فالمنسوخ إنما هو هذا الظني لا ذلك القطعي) (١).

[الخلاف في نسخ المتواتر بالآحاد:]

اختلف العلماء في نسخ القرآن والمتواتر بخبر الآحاد على ثلاثة أقوال:

قال ابن عقيل في "الواضح" (٤/ ٢٥٨): (في نسخ القرآن بالسنة، عن أحمد روايتان: إحداهما: لا يجوز نسخه إلا بالقرآن، وبها قال الشافعي، وأكثر أصحابه.

وقال أصحاب أبي حنيفة: يجوز بالسنة المتواترة.

وعن مالك، وابن سريج من أصحاب الشافعي مثله.

وأنه يجوز بالمتواتر منها، وهو مذهب المعتزلة والأشعرية.

وأختلف أهل الظاهر في ذلك، فذهب بعضهم إلى أنه يجوز نسخ القرآن بالمتواتر والآحاد، وعن أحمد مثله لأنه استدل في النسخ بالآحاد بقصة أهل قباء، فصار قائلا بالنسخ بالتواتر من طريق التنبيه رواها عنه الفضل بن زياد، وهي تشبه مذهبه في إثبات الصفات بأخبار الآحاد، وإثبات الصفات لله سبحانه أكثر من النسخ.

واختلف القائلون بذلك والمانعون منه، هل وجد ذلك؟ فقال قوم: لم يوجد ذلك، وإليه ذهب شيخنا الإمام أبو يعلى وابن سريج من أصحاب الشافعي، وقوم من المتكلمين).

وما اختاره الماتن من جواز نسخ المتواتر بما ثبت من أخبار الآحاد هو الأقوى.

قال الشنقيطي في "المذكرة" (ص/٨٦): (التحقيق الذي لا شك فيه هو جواز وقوع نسخ المتواتر بالآحاد الصحيحة الثابت تأخرها عنه والدليل الوقوع.

أما قولهم أن المتواتر أقوى من الآحاد والأقوى لا يرفع بما هو دونه فإنهم قد غلطوا فيه غلطاً عظيماً مع كثرتهم وعلمهم وإيضاح ذلك أنه لا تعارض البتة بين خبرين (٢) مختلفي التاريخ لإمكان صدق كل منهما في وقته وقد أجمع جميع النظار أنه


(١) انظر نزهة الخاطر العاطر (١/ ١٥٤)، وإرشاد الفحول (٢/ ٦٨) وأضواء البيان (٦/ ٦٢).
(٢) الظاهر أن مراد الشيخ بالخبر هنا ما أريد به الإنشاء، وقد يكون هذا من باب التنبيه بالأعلى
على الأدنى فإن كان لا تعارض البتة بين خبرين مختلفي التاريخ لإمكان صدق كل منهما في وقته، فبالأولى ألا يكون هناك تعارض بين أمرين أو نهيين مما لا يتطرق إليهما التصديق أو التكذيب.

<<  <   >  >>