ومحصل ما ذكر في المذهب أنه يصار عن تعارضهما إلى الترجيح بينهما أو إلى دليل آخر كما قال المجد في المسودة (ص/١٢٥)(١).
قال الشيخ:(القسم الرابع: أن يكون التعارض بين نصين أحدهما أعم من الآخر من وجه وأخص من وجه. فله ثلاث حالات:
١ - أن يقوم دليل على تخصيص عموم أحدهما بالآخر فيخصص به.
مثاله: قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) [البقرة: ٢٣٤]، وقوله:(وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ)[الطلاق: ٤] فالأولى خاصة في المتوفى عنها عامة في الحامل وغيرها. والثانية خاصة في الحامل عامة في المتوفى عنها، وغيرها لكن دل الدليل على تخصيص عموم الأولى بالثانية، وذلك أن سبيعة الأسلمية وضعت بعد وفاة زوجها بليال فأذن لها النبي صلّى الله عليه وسلّم أن تتزوج، وعلى هذا فتكون عدة الحامل إلى وضع الحمل سواء كانت متوفى عنها أم غيرها).
وهذا المثال الذي ذكره فيه نظر لوجوه منها:
١ - أن آية البقرة ليس فيها عموم وإنما هي خاصة بعدة الوفاة، وقوله:(أَزْوَاجاً) إنما هي نكرة في سياق الإثبات فليست من صيغ العموم، وإنما هي مطلقة.
قال الشنقيطي في "أضواء البيان"(١/ ١٥٠): (جماعة من الأصوليين ذكروا أن الجموع المنكرة لا عموم لها، وعليه فلا عموم في آية البقرة ; لأن قوله: (وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً) جمع منكر فلا يعم بخلاف قوله: وأولات الأحمال، فإنه مضاف إلى معرف بأل، والمضاف إلى المعرف بها من صيغ العموم).
٢ - على فرض أن هاتين الآيتين بينهما عموم وخصوص وجهي فما سلكه الشيخ من تخصيص لآية البقرة بآية الطلاق إنما هو في حقيقته ترجيحا بمرجح خارجي؛ لأنه ليس تقديم خصوص أحدهما على عموم الآخر بأولى من العكس، فالشيخ رجح
(١) وقال ابن قدامة في "الروضة" (ص/٢٥١) يعدل إلى دليل الترجيح، وقال الطوفي في "شرح مختصر الروضة" (٢/ ٥٧٧)، والمرداوي في "التحبير" (٦/ ٢٦٤٩): يطلب الترجيح.