يجوز نسخ وجوبه وتحريمه أم لا؟ فمن نفى الحسن والقبح، ورعاية الحكمة في أفعاله يجوز نسخ ذلك ومن أثبت ذلك منع النسخ، ذكره الآمدي وغيره؛ لأن المقتضى للحسن والقبح حينئذ صفات وأحكام لا تتغير بتغير الشرائع فامتنع النسخ لاستحالة الأمر بالقبيح، والنهي عن الحسن. وأما من نفى ذلك - وهو الصحيح - فإنه يجوز نسخ هذه الأمور لقول الله تعالى:(يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ)[سورة الرعد: الآية ٣٩]، وقوله تعالى:(وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ)[سورة إبراهيم: الآية ٢٧]).
والأقوى جواز النسخ لما يقبل التغير.
فمثلا الكذب قبيح، ولكن قد يبيحه الشرع لغرض المكلف من جلب مصلحة أو درء مفسدة.
قال ابن حجر في " فتح الباري"(٥/ ٣٠٠): (واتفقوا على جواز الكذب عند الاضطرار كما لو قصد ظالم قتل رجل وهو مختف عنده فله أن ينفي كونه عنده ويحلف على ذلك ولا يأثم).
وقال ابن حزم في " مراتب الإجماع"(ص/ ١٥٦): (واتفقوا على تحريم الغيبة والنميمة في غير النصيحة الواجبة. واتفقوا على تحريم الكذب في غير الحرب وغير مداراة الرجل امرأته وإصلاح بين اثنين ودفع مظلمة).
قال ابن حجر في " فتح الباري"(٦/ ١٥٩): (قال النووي الظاهر إباحة
حقيقة الكذب في الأمور الثلاثة (١) لكن التعريض أولى وقال بن العربي الكذب في الحرب من المستثنى الجائز بالنص رفقا بالمسلمين لحاجتهم إليه وليس للعقل فيه مجال ولو كان تحريم الكذب بالعقل ما انقلب حلالا انتهى).
[٢ - لا نسخ في القواعد الكلية:]
وقد قرر الشاطبي أن النسخ لم يقع في القواعد الكلية من الضروريات والحاجيات والتحسينات.
(١) يشير إلى ما رواه مسلم من حديث أم كلثوم - رضي الله عنها - مرفوعا: (لم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها).