لأن الاستعلاء صفة للأمر والعلو صفة للآمر وهو خارج عن ماهية التعريف.
قال الشيخ صالح آل الشيخ في شرح الورقات: (والأَوْلى أنْ نقول في تعريف الأمر: أنّ الأمر استدعاء الفعل ممن هو دونه على وجه الاستعلاء.
استدعاء الفعل ممن هو دونه على وجه الاستعلاء، ما معناها؟ يعني أن يكون الآمر في أمره مؤكِّدا جازما، وبعض علماء الأصول يقولون على وجه العلو، وهذا ليس بصحيح؛ لأنّ العلو صفة الآمر، والاستعلاء صفة للأمر في نفسه، فيكون على وجه الاستعلاء؛ يعني الأمر فيه جزم، أو فيه شدة، وفيه غلظة، ونحو ذلك، حتى يخرج منها الالتماس والسؤال وإلى آخره).
[التنبيه الثالث - توجيه بعض أدلة المخالف:]
ليس المجال هنا لاستيعاب أدلة المخالف، وإنما سوف أذكر أشهر الأدلة والتي قد تترد في ذهن البعض من عدم اشتراط الاستعلاء.
- استدلوا بقوله تعالى في سورة الشعراء: (قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (٣٤) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ) والمعنى بماذا تشيرون (١).
- واستدلوا بقوله تعالى: (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ) [الزخرف: ٧٧] وتعقب بأن هذا دعاء وليس أمرا.
- واستشهدوا بقول عمرو بن العاصِ لمعاوية:
أَمَرْتُكَ أَمْراً جَازِماً فَعَصَيْتَنيِ ... وَكَانَ مِنَ التَّوْفِيقِ قَتْلُ ابنِ هَاشِمِ
ومعلوم أنه ليس هناك علو ولا استعلاء من عمرو على معاوية.
قال العسكري في "الفروق اللغوية" (ص / ٤٩٤) على هذا البيت:
(هو على وجه الازدراء بالمخاطب والتخطئة له ليقبل لرأيه ومعلوم أن التابع لا يأمر المتبوع ثم يعنفه على مخالفته أمره).
- والذي يظهر لي أن الخلاف هنا لفظيا فمن اشترط الاستعلاء اعتبر الأوامر التي ليس فيها استعلاء من باب الدعاء والالتماس.
(١) وقد أطال في تقرير هذا المعنى الطوفي في شرح مختصر الروضة (٢/ ٣٥١) فانظره.