قال الطوفي في "شرح مختصر الروضة"(٢/ ٢٧٠): («وخالف أبو مسلم» يعني: الأصفهاني، في جواز النسخ شرعًا، أي: أن الذي دل على امتناع النسخ هو الشرع، لا العقل، «لقوله تعالى: (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ. لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ)[فصلت: ٤١، ٤٢]، والنسخ إبطال» قوله:«وليس بشيء»، يعني: ما احتج به أبو مسلم لا حجة فيه؛ لأن المراد من قوله تعالى:(لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ)، أي: لا يأتيه الكذب، (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ) يعني الكتب السالفة لا تكذبه، بل هي موافقة له، (وَلَا مِنْ خَلْفِهِ)، أي: من بعد نزوله وانقضاء عصر النبوة، بأن يقع بعض ما وعد به من المخبرات، على خلاف ما تضمنه من الإخبارات ...
قوله:«ثم الباطل غير الإبطال»، هذا رد آخر على أبي مسلم، وهو أن الآية إنما دلت على نفي الباطل عن القرآن، لا على نفي الإبطال، والنسخ إبطال للحكم، لا باطل لاحق بالقرآن، ولله سبحانه وتعالى أن يبطل من أحكام شرعه ما شاء، ويثبت ما شاء؛ فما نفته الآية غير ما أثبتناه.
ومعنى إبطال الحكم بالنسخ: أن ما كان مشروعًا صار غير مشروع. ثم إن أبا مسلم يدعي امتناع النسخ شرعًا دعوى عامة، والآية التي احتج بها، إنما تدل - لو دلت - على امتناع النسخ في القرآن خاصة، والدعوى العامة لا تثبت بالدليل الخاص.
ثم هو محجوج بإجماع الأمة على نسخ شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، لما قبلها من الشرائع، مع أنها شرائع حق صحيحة، لا يأتيها الباطل. فجوابه عنها هو جوابنا عن لحوق النسخ للقرآن، غير أن أبا مسلم يجعل كل ما سماه غيره نسخًا، من باب انتهاء الحكم بانتهاء مدته ووجود غايته، لا من باب ارتفاعه بورود مضاده؛ فهو معنى قول بعض الأصوليين: إن النسخ بيان انتهاء مدة الحكم ... ).
- وقد اختلف في قول الأصفهاني المعتزلي - على فرض ثبوته عنه (١) - فهو قول شاذ مخالف للكتاب والسنة وإجماع من سبق وقد وصفه بذلك أبو الحسين البصري
(١) لا أقول هذا تشكيكا في ثبوت القول عنه، وإنما لما وقفت عليه ممن قال أنه لا يصح عنه.