قال علاء الدين البخاري في " كشف الأسرار"(٣/ ٣٢٤):) وعن الشيخ أبي منصور عن أصحابنا أن تقليد الصحابي واجب إذا كان من أهل الفتوى ولم يوجد من أقرانه خلاف ذلك أما إذا خالفه غيره فلا يجب تقليد البعض ولكن وجب الترجيح بالدليل).
وأما القول بعدم حجية قول الصحابي مطلقا فهو قول الأشاعرة وأكثر المتكلمين والمعتزلة، ونسب للشافعي في الجديد - على خلاف في صحة هذه النسبة له -، واختاره أبو الخطاب من أصحابنا.
[الأدلة والترجيح:]
ومحصل ما استدل به الشيخ لترجيح هذا القول: قوله تعالى: (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ)[النساء: ١٦٥]، وقوله:(مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا)[النساء: ٨٠]، وقوله:(وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)[الحشر: ٧]، قال:(معلوم أننا لو اتبعنا الصحابة لكنا أطعنا غير الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهذا لا دليل على وجوبه، ولا على مشروعيته أيضا؛ ولأن الصحابة - رضي الله عنهم - كغيرهم غير معصومين من الخطأ، تخفى عليهم الحجة، ويحصل منهم السهو والنسيان).
وهذه الأدلة العامة التي ذكرها الشيخ من أن إتباع الصحابة طاعة لغير النبي لعدم عصمتهم من الخطأ - على فرض التسليم بشمولها لمحل النزاع - فهي تشمل من كان فقيها وغيره، إلا ما قد يقال أنها مخصصة بأبي بكر وعمر للنص على الإقتداء بهما، ويلحق بهما عثمان وعلي (١)، ويشكل على هذا أن الأمر بالإقتداء بهم ليس فيه الحصر بل إن ذكرهم إنما كان للاهتمام بهم.
قال ابن قدامة في " روضة الناظر"(ص/ ١٦٦): (الصحابة أقرب إلى الصواب وأبعد من الخطأ لأنهم حضروا التنزيل وسمعوا كلام الرسول منه فهم أعلم بالتأويل وأعرف بالمقاصد فيكون قولهم أولى كالعلماء مع العامة وما ذكروه من عدم العصمة
(١) وذلك على فرض أن الإقتداء بهم يشمل ما كان راجعا لسنة النبي وما كان مبتدأ من عندهم على سبيل الاجتهاد، وهذا القول هو الراجح، وفي هذه المسألة أقوال كثيرة ذكرتها في كتابي في أصول البدع.