وعليه فهو يتبع الفرض الثاني من الحالة الرابعة من حيث امتناع وقوع التعارض الحقيقي بين الأدلة سواء أكانت قطعية أم ظنية، ولكنه عرف التعارض بقوله:(التعارض: تقابل الدليلين على سبيل الممانعة ولو بين عامين في الأصح) فلم يقيده بالتعارض الصوري، وكذا ظاهر صنيعه أنه لم يسوي بينه التعارض والتعادل، والفرض أنه كان يلزمه التسوية.
[أقسام التعارض:]
قال الشيخ:(وأقسام التعارض أربعة:
القسم الأول: أن يكون بين دليلين عامين ... ).
قال المرداوي في "التحبير"(٨/ ٤١٢٧): (قوله: {ولو بين عامين في الأصح}. يعني أنه يجوز تعارض عامين عند أكثر العلماء، بل غالبهم أطلق العبارة في التعارض، فشمل العامين وغيرهما مما يمكن التعارض فيه. وذكر بعض أصحابنا عن قوم منع تعارض عمومين بلا مرجح. وقد خص الإمام أحمد ' نهيه عن الصلاة بعد الصبح والعصر ' بقوله: ' من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها '. وذكر القاضي، وأصحابه، والموفق، والشافعية، تعارضهما؛ لأن كلا منهما عام من وجه وخاص من وجه. وقدم الحنفية النهي لذكر الوقت فيه)(١).
وقد علل ابن قدامة الجواز بقوله في "الروضة"(ص/٢٥٢): (وقال قوم لا يجوز تعارض عمومين خاليين عن دليل الترجيح لأنه يؤدي إلى وقوع الشبهة وهو منفر عن الطاعة.
قلنا بل ذلك جائز ويكون مُبَيَّنا للعصر الأول وإنما خفي علينا لطول المدة واندراس القرائن والأدلة ويكون ذلك محنة وتكليفا علينا لنطلب دليلا آخر ولا تكليف في حقنا إلا بما بلغنا وأما التنفير فباطل فقد نفر طائفة من الكفار من النسخ ثم لم يدل ذلك على استحالته والله أعلم).
وفيما قال نظر، إذ أنه محصلته أن الرواة ونقلة الأخبار لم يبلغوا الدين كاملا لنا،
(١) انظر أيضا أصول ابن مفلح (٤/ ١٥٨٢)، وشرح الكوكب لمنير (٤/ ٦٠٥)