بالأحكام بثلاثة آلاف حديث.
وشدد أحمد فسئل كم يكفي الرجل من الحديث حتى يمكنه أن يفتي، أيكفيه مائة ألف؟ .. قال: لا.
قيل: مائتا ألف؟ قال: لا.
قيل: ثلاثمائة ألف؟ قال: لا.
قيل: أربعمائة ألف؟ قال: لا.
قيل خمسمائة الف؟ قال: أرجو.
قال الزركشي: وكان مراده بهذا العدد آثار الصحابة والتابعين، وطرق المتون، ولهذا قال: من لم يجمع طرق الحديث لم يحل له الحكم ولا الفتيا ..
قال بعض أصحابه: ظاهر هذا أنه لا يكون من أهل الاجتهاد حتى يحفظ هذا العدد ... ).
وقد اختار الشيخ عياض السلمي أنه يكتفى بمعرفة الأدلة الدالة على الأحكام بطريق النصّ أو الظاهر دون ما كانت دلالته خفية، فقال في "أصوله" (ص/٤٥١): (معرفةُ الآيات والأحاديث الدالة على الأحكام بطريق النصّ أو الظاهر، ومعرفة ما يصِحُّ من تلك الأحاديث وما لا يصِحُّ.
أما الآياتُ والأحاديثُ الدالّةُ بطريق الإشارة أو مفهومِ المخالفة، ونحوِهما من طرق الدلالة الخفيّة، فلا يُشترَطُ معرفتُها، كما لا يلزمُ معرفةُ أكثر من دليلٍ واحدٍ على الحكم، إذا لم تكنْ في الدليل الآخَر زيادةُ حكمٍ تتعلَّقُ بشروطه أو قيوده، ونحو ذلك.
والدليلُ على اشتراط هذا القدر: أن مَن اجتهد قبلَ تحصيله فقد يُخالفُ المنصوصَ عليه في القرآن أو السنة، فيكونُ اجتهادُه باطلاً.
وأما الدليلُ على عدم اشتراط ما زاد على ذلك فهو: أن الصحابةَ كانوا يجتهدون مع غفلتهم عن بعض ما دلّ عليه القرآن بطريق الإشارة أو الالتزام، ولم يكن اجتهادُهم واقعاً ممن ليس أهلاً.
ولما عُرفَ عنهم من أنهم يعذرون المخطئَ إذا لم يكن الدليلُ ظاهراً قوياّ.
ومما يُؤيِّدُ ما ذكرته أن الإحاطةَ بكلِّ ما في القرآن من المعاني ليس ممكناً، فلو اشترطنا ذلك لما تمكن أحدٌ من الاجتهاد).