من الأحكام. وكأن هؤلاء الذين حصروها في خمسمائة آية إنما نظروا إلى ما قصد منه بيان الأحكام دون ما استفيدت منه، ولم يقصد به بيانها.
قوله:«وكذلك من السنة»، أي: ويشترط أن يعرف من السنة الأحاديث التي تتعلق بالأحكام، كما يشترط أن يعرف الآيات التي تتعلق بها من القرآن
قلت: فالكلام هنا في التقدير، كالكلام هناك، أعني أن استنباط الأحكام لا يتعين له بعض السنة دون بعض، بل قل حديث يخلو عن الدلالة على حكم شرعي).
وأيد السيوطي ما أشار إليه الطوفي من عدم الحصر لأدلة الأحكام وأحاديثها حيث قال في رسالته " الرد على من أخلد إلى الأرض"(ص/١٥٠): (ذكر الغزالي في المستصفى: إنه لا يلزم في الاجتهاد الإحاطة بجميع نصوص الكتاب والسنة، بل تكفيه الإحاطة بما يتعلق منها بالأحكام، وهو خمسمائة آية من الكتاب، وأحاديث مضبوطة من السنة بالكتب، وإن لم تكن محصورة .. ولا حاجة إلى معرفة ما يتعلق منها بالوعد والإخبار عن أمور الآخرة أو القرون السالفة.
واستشكله التبريزي في تنقيحه قال: بأن العلم بحصر دلائل الأحكام يتوقف على استقراء جميع جمل الكتاب والسنة وفهم مقاصدها، فكيف يجوز له الاقتصار على علم بعضها؟ وكيف يأمن أن يكون وراء ما حوى وحصر أدلة يمكن استفادة حكم الواقعة منها؟؛ فإن وجوه أدلة الدلائل قد تختلف باختلاف نظر المجتهدين فيختص البعض بدرك ضروب منها، ولهذا عد من خاصية الشافعي - رضي الله عنه - التفطن لدلالة قوله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا أستيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده) على نجاسة الماء القليل بوقوع النجاسة فيه من غير تغيير، ودلالة قوله عليه السلام أن إحداهن تمكث شطر دهرها لا تصم ولا تصلي على تقدير أكثر مدة الحيض بخمسة عشر يوما.
ودلالة قوله تعالى:(وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (٩٢) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا) [مريم: ٩٢، ٩٣] على أن من ملك ولده عتق عليه، وما أظن أن أهل الحصر عدوا هذه الآية من أدلة الأحكام - انتهى كلام التبريزي.
وقال الزركشي في البحر: ضبط بعضهم معرفة ما يحتاج إليه من السنن المتعلقة