بداية اختلف العلماء في المراد هنا على قولين: الأول أنه القرآن، والثاني: اللوح المحفوظ.
فإن قلنا أنه القرآن فهل الآية خبر أم إنشاء؟
فإن قلنا أنها خبر فيكون معناه أن الله يخبر أن القرآن لا يمسه إلا المطهرون، وهذا منتقض بأن القرآن يمسه الطاهر وغير الطاهر، فدل على أن الله عز وجل لم يعن بالمصحف المذكور في الآية هذا الذي بأيدي الناس، وإنما عني كتابًا آخر، وهو الذي في السماء.
كما أن المراد بالمطهرين في الآية الملائكة لأنهم طهروا من الشرك والذنوب، وليسوا بني آدم؛ لأن المطهر من طهره غيره، ولو أريد بهم بنوا آدم لقيل: المتطهرون.
أجاب جمهور العلماء عن اعتراض القائلين بجواز مس المحدث المصحف على أدلة التحريم بما يأتي:
أولاً: أنا نمنع أن قوله سبحانه: (لَا يَمَسُّهُ) خبر فقط، بل هو خبر تضمن نهيًا؛ لأن خبر الله لا يكون خلافه، وقد وجد من يمس المصحف على غير طهارة، فتبين بهذا أن المراد النهي، وليس الخبر، وقد ورد مثل هذا كثير في الكتاب والسنة، ومنه قوله عز وجل:(لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا)[البقرة: ٢٣٣] فإنه خبر تضمن نهيًا، ومنه في السنة قوله صلى الله عليه وسلم:(لا يبيع أحدكم على بيع أخيه) بإثبات الياء، فإنه خبر تضمن نهيًا.
وأما القول بأن الضمير في قوله سبحانه:(لَا يَمَسُّهُ) إنما يعود على الكتاب الذي في السماء وهو اللوح المحفوظ، لا على المصحف الذي بأيدي الناس، فالجواب: أن قوله سبحانه: (تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الواقعة: ٨٠] بعد قوله سبحانه: (لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) فيه دلالة ظاهرة على إرادة المصحف الذي بأيدي الناس، فلا يحمل على غيره إلا بدليل صحيح صريح.
كما أن القول بأن المراد بـ المطهرين في الآية هم الملائكة وليسوا بني آدم؛ لأن المطهرين هم الذين طهرهم غيرهم، وأنه لو أريد بهم بنو آدم لقيل (المتطهرون).
فالجواب: أن المتوضئ يطلق عليه طاهر ومتطهر، وهذا سائغ لغة.