للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قلنا: الوجوب بشرط تقديم الشرط، كما سبق. والقضاء بأمر جديد، أو بالأمر الأول، ولكن انتفى بدليل شرعي، نحو: «الإسلام يجب ما قبله». وفائدة الوجوب، عقابهم على تركها في الآخرة، وقد صرح به النص، نحو: (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (٦) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) [فصلت: ٦، ٧] (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) [المدثر: ٤٢، ٤٣]. والتكليف بالمناهي، يستدعي نية الترك تقربا. ولا نية لكافر) (١).

قال الشيخ العثيمين في تفسير سورة البقرة عند قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) [البقرة: ١٦٨]

: (من فوائد الآية أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ)؛ وهم داخلون في هذا الخطاب؛ ومخاطبتهم بفروع الشريعة هو القول الصحيح؛ ولكن ليس معنى خطابهم بها أنهم ملزمون بها في حال الكفر؛ لأننا ندعوهم أولاً إلى الإسلام، ثم نلزمهم بأحكامه؛ وليس معنى كونهم مخاطبين بها أنهم يؤمرون بقضائها؛ والدليل على الأول قوله تعالى: (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ) [التوبة: ٥٤]؛ فكيف نلزمهم بأمر لا ينفعهم؛ هذا عبث، وظلم؛ وأما الدليل على الثاني فقوله تعالى: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) [الأنفال: ٣٨]؛ ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أحداً ممن أسلم بقضاء ما فاته من الواجبات حال كفره؛ والفائدة من قولنا: إنهم مخاطبون بها - كما قال أهل العلم - زيادة عقوبتهم في الآخرة؛ وهذا يدل عليه قوله تعالى: (إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (٣٩) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (٤٠) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (٤١) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (٤٤) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (٤٥) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (٤٦) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (٤٧)) [المدثر: ٣٩ - ٤٧]) (٢).


(١) انظر: روضة الناظر (ص/٥٠)، المسودة (ص/٤١)، شرح مختصر الروضة (١/ ٢٠٥)، أصول ابن مفلح (١/ ٢٦٤)، القواعد والفوائد (ص/٤٩)، التحبير (٣/ ١١٤٤)، شرح الكوكب (١/ ٥٠٠)، وغيرها.
(٢) وانظر "شرح الأصول" (ص/ ١٩٨: ٢٠٥).

<<  <   >  >>