قبل ثلاث عشرة سنة، وقد صحبتُ معي القليل من المال حتى نفد، ولم يبق عندي منه شيء فصبَّرتُ نفسي، وأيقنتُ أن الله سيفرج هذا الضيق:
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها ... فرجت وكنت أظن أنها لا تفرج
حتى إذا ما مضى أسابيع، وأنا أعيش هذا الضيق، فإذا بالشيخ يناديني بعد صلاة الفجر، وبيده مبلغ من المال ليس بالقليل، ويعلم الله أنني لم أشكُ له حالي، ولكنه الفرج من الله.
وبعد مدة من الزمن نفد ما عندي من المال، فخشيتُ أن أكون قد أحرجتُ الشيخ في مساعدته لي، أو يظن أنني لازمته من أجل المال، فقررتُ أن أرحل، وأجمع مالاً أتقوى به على طلب العلم، فرحلتُ إلى " الدمام " - حيث معارفي - وتركتُ رسالة للشيخ بيَّنتُ فيها سبب ارتحالي، فساءه ذلك جدّاً، وحاول أن يتعرف على عنواني، فتيسر له الحصول عليه وعلى رقم هاتفي، واتصل بي هاتفيّاً! وألزمني بالرجوع، وألحَّ عليَّ، فأجبتُه إلى طلبه وأنا في حرج، واستأنفتُ ملازمتي له.
وكان - رحمه الله - لا يبخل عليَّ وعلى زملائي من المغتربين بالإنفاق علينا، ومتابعة أحوالنا، وتذليل الصعاب التي تواجهنا.
* في إحدى عمرات الشيخ كان قد أدى العمرة مع جمع من أصحابه وقد سكنوا جميعاً في مسكن واحدٍ، وفي أثناء رجوعهم من المسجد الحرام إلى المسكن مرَّ الشيخ رحمه الله مع مَن معه على مجموعة من الشباب اللاهي وهم يلعبون " كرة القدم "! فوقف الشيخ بينهم ينصحهم ويوجههم للصلاة، فكان أن قابل أولئك الشباب الشيخَ بشيء من اللامبالاة والاستهزاء! فطلب الشيخ ممن معه أن يذهب إلى السكن ويبقى وحده مع أولئك الشباب!
فكان أن حصل للشيخ ما أراده، فلما رأى الشباب أن الشيخ مصرٌّ على البقاء ليذهبوا معه للصلاة سبَّ عليه واحدٌ منهم سبّاً مقذعاً بكلمات قبيحة نابية!
وقد فعل ذلك حتى لا يجعل مجالاً للشيخ في أن يبقى بينهم، وهم - بطبيعة الحال - لا يعرفون أن هذا هو الشيخ ابن عثيمين!
فتبسم الشيخ! وأصرَّ على البقاء حتى يصلِّي الشباب، وأن يذهب هذا السابُّ معه!