للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يتخلف البتة، بل يدل على أن عادته وأغب أحواله أن يقري الضيف. فكذلك (كان يقري الضيف) تدل على مثل ذلك في الماضي.

٣ - العموم:

وقد ادعى الكثيرون أن (كان يفعل) تدل أيضا على العموم في أقسام الفعل وأوجهه.

وهي غير مسألة دلالة هذا التركيب على المواظبة فان المواظبة تعني تكرار الفعل دائماً عند تكرر المناسبات، وأما العموم فأن يفعله بجميع أقسامه، وعلى جميع الأوجه من الهيئات أو الأماكن أو غير ذلك.

وروى القول بالعموم في صيغة (كان يفعل) (١) أبو يعلى، وهو ظاهر كلام الأمدي (٢).

وقد روى البخاري الحديث (كان - صلى الله عليه وسلم - يجمع الصلاتين في السفر) فقال البعض بأن ذلك يعم الجمع في السفر القصير، وفي السفر الطويل.

وقول من ادّعى العموم مردود بما قال ابن قاسم في شرح الورقات: (يمكن أن يجاب بأن كان يفعل، وإن أفادت التكرار، فان كل مرة من مرات التكرار لا عموم فيها، لأنها إنما تقع في أحد السفرين، فالمجموع لا عموم فيه، إذ المركب مما لا عموم فيه لا عموم فيه. واحتمال أن بعض المرات في أحد السفرين، وبعضهما في الآخر، غير معلوم ولا ظاهر (٣). فصار اللفظ مجملاً بالنسبة للسفر القصير كما أشار إليه الشيخ أبو إسحاق في اللمع) ... ).


(١) انظر المرجع السابق نفس الموضع.
(٢) قال الآمدي في "إحكامه" (٢/ ٢٧٢): (قول الراوي كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين الصلاتين في السفر فإنه يحتمل وقوع ذلك في وقت الأولى ويحتمل وقوعه في وقت الثانية وليس في نفس وقوع الفعل ما يدل على وقوعه فيهما بل في أحدهما، والتعين متوقف على الدليل. وأما وقوع ذلك منه صلى الله عليه وسلم متكررا على وجه يعم سفر النسك وغيره فليس أيضا في نفس وقوع الفعل ما يدل عليه بل إن كان ولا بد فاستفادة ذلك إنما هي من قول الراوي كان يجمع بين الصلاتين. ولهذا فإنه إذا قيل كان فلان يكرم الضيف يفهم منه التكرار دون القصور على المرة الواحدة).
(٣) الإمام الجويني في الورقات ومن شرحها كالشيخ العبادي وغيره يتكلمون هنا على رد دعوى العموم في الأفعال، وما يجرى مجراها كالقضايا، قال المارديني في "الأنجم الزاهرات على حل ألفاظ الورقات" (ص/١٤٢): (قال: (والعموم من صفات النطق، فلا يجوز دعوى العموم في الأفعال، وما يجري مجراها). أقول: يشير إلى أن العموم لا يكون إلا في الملفوظ، فلا يؤخذ من الأفعال كما يقال: إنه عليه السلام ' جمع في السفر بين صلاتين ' فلا يؤخذ من فعله العموم؛ لأن السفر قد يكون طويلاً وقد يكون قصيراً، فعلم أن الفعل لا يفيد العموم بل لابد من النطق ... ).
نعم الأفعال لا توصف بالعموم، وصيغة (كان يجمع) لا تعم بذاتها وقتي الصلاتين المجموعتين ولا تعم كل سفر كسفر النسك، وغيره - كما سيأتي بإذن الله كلام ابن النجار عند الكلام على مسألة (الفعل المثبت لا يعم)، ولكن العموم قد يستفاد من غيرها كما في إعمال أل الاستغراقية في قوله (السفر)، وعليه فهذا المثال الذي ذكره فيه نظر بالنسبة لشموله للسفر الطويل والقصير، وإيضاحه في مقدمتين:
الأولى - أن سلمنا أن (كان يفعل) تفيد التكرار كما قال أبو قاسم العبادي نفسه في "شرح الورقات" (ص/٢٤٥): (والأولى أن يجاب بأنا سلمنا التكرار ... ).
الثانية - بإعمال العموم في أل الاستغراقية في قوله: (السفر) ليشمل السفر القصير والطويل.
والنتيجة أن الجمع بين الصلاتين تكرر في عموم السفر سواء أكان طويلا أم قصيرا.
وأما جعله اللفظ مجملا بالنسبة للسفر القصير فهذا فيه إهمال لدلالة العام وتعطيل لها مع عدم وجود مخصص، وسوف يأتي قريبا بإذن الله مناقشة ذلك عند قول الماتن (يجب العمل بعموم اللفظ العام حتى يثبت تخصيصه). وقد راجعت شرح الشيخ العثيمين على التعبيرات الواضحات على شرح الورقات فوجدته في الشريط السادس الوجه الثاني قد وافق الشيخ على أن فعله - صلى الله عليه وسلم - لا يوصف بالعموم ولكنه ذكر أن هذا المثال الذي ذكره فيه نظر، وفيه تعطيل للعموم في كلمة السفر، فالحمد لله على توفيقه.

<<  <   >  >>