آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلا فيؤم الناس، ثم أخالف رجال لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار).
دلّ ذلك على وجوب حضورها، وتحريم التخلف عنها، وهي دلالة قولية، من حيث إنه بين بقوله ما يفيد أن ما فعلوه هو ذنب ...
٢ - وإما أن يخبرنا بهمه مبينا لنا أنه ترك ما هم به وعدل عنه لأنه تبين له أن الداعي له غير صحيح، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: (بقد هممت أن أنهي عن الغيلة، حتى ذكر لي أن فارس والروم يغيلون فلا يضر ذلك أولادهم).
والحكم على هذا النوع واضح.
٣ - وإما أن يخبرنا بأنه ترك الفعل اكتفاء بغيره من الدلالات، ولا شك في حجية هذا النوع، ومنه حديث عائشة أنه - صلى الله عليه وسلم - قال:(لقد هممت أن أرسل إلى أبي بكر فأعهد، أن يقول قائلون أو يتمنى المتمنون، ثم قلت: يأبى الله ويدفع المؤمنون).
٤ - وإما أن يخبرنا بأنه هم بالشيء ولم يفعله دون زيادة، وهو الهم المجرد ومثاله حديث:(لقد هممت أن لا أتهب هبة إلا من قرشي، أو أنصاري، أو ثقفي).
قولنا في ذلك: الظاهر أن الهم لا يدل على مثل ما يدل عليه الفعل لو فعله فما قال الشوكاني من أن "الهم ليس تنجيزا للفعل" صحيح، وينبغي أن يعتمد، فهو - صلى الله عليه وسلم - لم يُخْرِج ما هم به إلى حيز الوجود، فيحتمل أن تكون هناك موانع شرعية منعته من ذلك، أو أنه - صلى الله عليه وسلم - وجد السبب أقل من أن يكون كافيا لبناء الحكم عليه. فلا يتم القول بأن الهم المجرد قسم من أقسام السنة ...
الطريق الثانية - أن يحول بينه وبين الفعل حائل جعله يترك الفعل بعد أن عالجه، وهذا النوع هو الذي قال فيه الشافعي ما قال واعتبره حجة ...
ومن أمثلته حديث:(أنه - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ بضب محنوذ فأهوى بيده ليأكل، فقيل " أخبروا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما يريد أن يأكل. فقيل: ضب فرفع يده) ففيه دلالة على جواز الإقدام على أكل ما لا يعرفه، غذ لم يظهر فيه علامة التحريم.
قولنا في ذلك: أن هذا النوع عندنا أعلى من الذي قبله؛ لأن المانع خارجي،