للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الشيخ في "الشرح" (ص/٥٠١): (أن لا يسبقه خلاف مستقر فإن سبقه فلا إجماع، حتى وإن أجمع القرن الثاني على أحد قولي القرن الأول فإنه لا إجماع ...

ثم قال: يشترط في الإجماع ألا يسبقه خلاف مستقر فإن سبقه خلاف مستقر فلا إجماع، وإن سبقه خلاف ولم يستقر مثل أن يختلف أصحاب هذا القرن ثم يتفقون فهذا خلاف غير مستقر يصلح بعده الإجماع ... ثم قال: الإِجماع لا يرفع الخلاف السابق لكنه يمنع من حدوث خلاف هذا هو القول الراجح لقوة مأخذه.

وقيل: لا يشترط ذلك فيصح أن ينعقد في العصر الثاني على أحد الأقوال السابقة ويكون حجةً على من بعده، لكن هذا القول مرجوح، فبعض العلماء يقول: إذا اختلف القرن السابق على قولين- يعني: صاروا على قولين أو أقوال- ثم جاء القرن الذي بعدهم وأجمع على أحد الأقوال، فإن بعض العلماء يرى أن هذا إجماع، ولكن الصحيح أنه ليس بإجماع، والعلة أن الأقوال لا تموت بموت قائليها فهي باقية، فإن انقرضوا وماتوا فأقوالهم باقية، ودليل هذا قوله عليه الصلاة والسلام: (إذا مات الإنسانُ انقطعَ عنه عملُهُ إلا من ثلاثة: إلا من صدقةٍ جاريةٍ أو علمٍ يُنتفع به ... ).

وإذا قلنا: إن قول الإِنسان يموت بموته لم ينتفع الناس به بعد الموت.

فالصواب بلا شك أن الأقوال لا تموت بموت قائليها وأنها باقية، وعلى هذا فإذا قال قائل: أجمع أهل هذا العصر على قول، قلنا: ولكن خالفهم أهل العصر الأول، أو بعض أهل العصر الأول فلا إجماع).

وكلام الشيخ هنا هو الراجح فإن كانت الأقوال باقية فلا يصح إجماع لبقاء الخلاف ببقاء هذه الأقوال، فإن أجمعوا على أحد الأقوال كانوا بعض الأمة لا كلها لخلاف أصحاب القول الأول.

هذا بخلاف ما إن اختلف أهل عصر ولم يستقر الخلاف ثم اتفقوا على أحد الأقوال فهنا يصح الإجماع لانتفاء الخلاف واتفاق أهل العصر على قول واحد.

قال ابن قدامة في "روضة الناظر" (ص/١٤٨): (وإذا اختلف الصحابة على قولين فأجمع التابعون على أحدهما فقال أبو الخطاب (١) والحنفية يكون إجماعا لقوله عليه


(١) التمهيد (٣/ ٢٩٨).

<<  <   >  >>