ومثله التعبير بلفظ: حمل فرع على أصل في حكم ... الخ. وكذا قولهم: حمل معلوم على معلوم ... الخ.
وأما على الاتجاه الثاني فيمكن أن يعرف بأنه: مساواة فرع لأصل في حكم شرعي لاشتراكهما في علة الحكم).
والظاهر والله أعلم أن صورة القياس العملية تشمل الطريقتين، فهما يلتقيان في المعنى، وإن اختلفتا في الألفاظ.
وإيضاحه أنه (١) عند النظر في التطبيق العملي لعملية القياس الأصولي نجد أنه لابد فيها من أمرين:
١ - المساواة في العلة، وهذا المساواة علامة نصبها الشارع لتدل على الحكم، وليس من فعل المجتهد.
٢ - إلحاق أصل وحمل الصورة غير المنصوص عليها بالمنصوص عليها عند المساواة في العلة، وهذا عمل من أعمال المجتهد.
وهكذا نرى أن صورة القياس العملية تشمل التعريفين، وعلى هذا التعريف بالمساواة أو بالإثبات قد تلاقيا في المعنى وإن اختلفا في اللفظ.
قال البناني في "حاشيته على جمع الجوامع"(٢/ ٢٠٣): (وكونه فعل المجتهد لا ينافي أن ينصبه الشارع دليلا إذ لا مانع من أن ينصب الشارع حمل المجتهد الذي من شأنه أن يصدر عنه دليلا سواء وقع أم لا).
وهذا التعميم الذي في كلام البناني يلتقي مع مذهب الحنابلة في مسألة التفويض.
قال المرداوي في "التحبير"(٨/ ٣٩٩٥): (يجوز أن يقال لنبي ومجتهد: احكم بما شئت فهو صواب، ويكون مدركا شرعيا، ويسمى التفويض عند الأكثر ... ) وفي المذهب أقوال أخر، وقد سبق الكلام عن التفويض، والصواب أن النبي قد يجتهد، وقد يخطئ، كذا العالم أيضا، والفرق بينهما أن النبي لا يقر على باطل، فإن أخطأ فلا بد وأن ينزل الوحي بتصويبه. وعليه فالعموم الذي في كلام البناني يحمل على ما إذا وقع منه الإصابة لا بمجرد الاجتهاد.
(١) انظر الموازنة بين دلالة النص والقياس الأصولي للدكتور أحمد الصاعدي (٢/ ٢٤٢)، ونقلها عنه فهد الجهني في رسالته "القياس عند الإمام الشافعي" (ص/١٧٦).