وهو أيضا يناقض ما ذكروه في مواضع من باب القياس ... ).
وقد بين هذا التناقض وذكر جوابهم عنه الشيخ العروسي حيث قال في "المسائل المشتركة"(ص/٢٧٢): (وبعض هؤلاء النافين للتعليل والحكمة اضطروا إلى إثباته والقول به في الأمر والنهي، ولكنهم يجعلون التعليل في الأمر والنهي- أي الحكمة والمصلحة فيها- تعودان إلى العباد وحدهم دون أن تكون هناك حكمة تعود إلى الله سبحانه، بل صرح القرافي أنه لم يُدَّعَ التعليلُ إلا في الشرع، وأما الخلق فليس فيه مصلحة للخلق حتى يقال فيه بالتعليل، لأن الكلام في الفقه ومسائله يقتضي القول بالتعليل لأنها مصالح للخلق، فاثبتوا الأحكام بالعلل، والعلل بالمناسبات والمصالح، ولم يمكنهم الكلام في الفقه إلا بذلك لتوقف القياس عليها، ولكنهم جعلوا اقتران الأحكام بتلك العلل والمناسبات اقترانا عاديًا غير مقصود في نفسه، والعلل والمناسبات أمارات لذلك الاقتران.
قال ابن التلمساني: ويمتنع جعل العلة الشرعية مؤثرة على أصلنا، فإن الحكم الشرعي يرجع عندنا إلى خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال العباد على وجه مخصوص، وخطابه وكلامه سبحانه وتعالى قديم، والقديم لا يعلل، فضلًا عن أن يعلل بعلة حادثة، ولأن العلة في الخمر- الإسكار، وهو متحقق قبل التحريم.
وإن اعترف بعضهم بوجود هذه الحكم والمصالح في بعض الأحكام، ولكن ذلك في زعمه إنما وجدت على سبيل الجواز والتفضل. يقول القرافي في هذا المعنى:"وأما كون الزنا قطعيًا، وتحريمه من ضروريات الدين فمسلم، غير أن إباحته جائزة على الله تعالى، فله سبحانه وتعالى أن يراعي الأصلح للعباد وأن لا يراعيه، غير أن عادته- تعالى- التفضل على عباده بشرع تحصيل المصالح ودرء المفاسد على سبيل التفضل ".
وقد استشكل بعضهم إثبات تعليل الأحكام، لأنه يصادم الأصل المشهور بنفي التعليل كما حصل لإبن الحاجب عند الكلام على دليل العمل بالسبر والتقسيم، فإنه نقل إجماع الفقهاء على أنه لابد للحكم من علة، وهذا معارض للأصل المشهور وهو نفي العلل في الخلق والأمر. وشعر بعضهم بالحرج أن يقول خلاف الأصل الذي سار عليه الأشعري، ورأى في التأويل مخرجًا فقال: إن الأدلة لا تدل على إثبات التعليل