أكله فقط، بل نقول: إن الآية التي نهت عن أكله دلت على حرمة إغراقه وإحراقه بالنار لأن الجميع إتلاف.
ومما يدل على أن ما يقوله ابن حزم لا يقول به عاقل أن ما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من النهي عن البول في الماء الراكد يقول ابن حزم: لو بال في قارورة وصبها في الماء لم يكن هذا من المكروه لأن النبي لم ينه عن هذا وإنما قال: (لا يبولن أحدكم في الماء الراكد في الماء الدائم ثم يغتسل فيه) ولم يقل لا يبولن أحدكم في إناء ثم يصبه فيه فهذا لا يعقل أيعقل أحد أن الشرع الكريم يمنع من أن يبول إنسان بقطرات قليلة أقل من وزن ربع كيل ثم انه يجوز له أن يملأ عشرات التنكات بولاً يعد بمئات الكيلوات ثم يصبها في الماء وأن هذا جائز.
وأيضاً في الحديث:(لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان) فألحق به الفقهاء إذ كان في حزن شديد مفرط يذهل عقله، أو فرح شديد مفرط يدهش عقله أو في عطش شديد مفرط يدهش عقله أو في جوع شديد يدهش عقله، ونحو ذلك من مشوشات الفكر التي هي أعظم من الغضب فليس في المسلمين من يعقل أن يقال للقاضي أحكم بين الناس وأنت في غاية تشويش الفكر بالجوع والعطش المفرطين أو الحزن والسرور المفرطين، أو الحقن والحقب المفرطين والحقن مدافعة البول والحقب مدافعة الغائط، والإنسان اذا كان يدافع البول أو الغائط مدافعة شديدة كان مشوش الفكر مشغول الخاطر لا يمكن أن يتعقل حجج الخصوم، ومثل هذا، لذا قال العلماء لا يجوز للقاضي أن يحكم وهو مشوش الفكر.
وكذلك قال الله:(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ)[النور: ٤] ولم يصرح في الآية الا أن يكون القاذف ذكر والمقذوفة أنثى فلو قذفت أنثى ذكراً أو قذف لا مؤاخذة فيه لأن الله إنما نص على قذف الذكور بالإناث لأنه قال: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ) وما أراد ابن حزم هنا أن يدخل الجميع في عموم المحصنات فقال: المحصنات نعت للفروج، والذين يرمون الفروج المحصنات فيشمل الذكور والإناث يرد عليه أن المحصنات في القرآن لم تأت قط للفروج وإنما جاءت للنساء وكيف يأتي ذلك في قوله:(إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ)[النور: ٢٣]، وهل يمكن أن تكون الفروج غافلات مؤمنات. هذا مما لا يعقل.