قوله:«ولا يصح إثباته بالقياس على أصل آخر» إلى آخره، أي: لا يصح إثبات الأصل المقيس عليه بقياسه على أصل آخر، وإن شئت، قلت: لا يصح أن يكون فرعا لأصل آخر.
مثاله: أن يقيس الذرة على الأرز المقيس على البر، فلا يصح؛ لأنه إن كان بين ذلك الأصل الآخر الذي قاس عليه وهو البر هاهنا وبين محل النزاع - وهو الذرة - جامع، فقياس محل النزاع على ذلك الأصل الآخر البعيد وهو البر أولى؛ لأن توسيط الأول الذي قاس عليه محل النزاع، وهو الأرز «تطويل بلا فائدة»، إذ عوض ما نقول: يحرم التفاضل في الذرة قياسا على الأرز، وفي الأرز قياسا على البر، فلنقل: يحرم التفاضل في الذرة قياسا على البر، إذ توسيط الأرز في البين عبث، «وإلا»، أي: وإن لم يكن بين الأصل الآخر الثاني، وبين محل النزاع جامع، «لم يصح القياس»، كما لو قاس الذرة على الأرز، والأرز على الحديد، «لانتفاء الجامع بين محل النزاع» وهو الذرة، «وأصل أصله» وهو الحديد، الذي جعله أصلا للأرز، الذي هو أصل الذرة.
وكذلك لو قال المستدل في اشتراط النية للوضوء: عبادة، فيفتقر إلى النية كالتيمم، فلو منع الحكم في التيمم، فأثبت الحكم فيه قياسا على الصلاة، فإن جمع بين التيمم والصلاة بكونهما عبادة، قلنا: فقس الوضوء على الصلاة بجامع العبادة، ولا حاجة إلى توسيط التيمم، وإن جمع بينهما بكون التيمم طهارة، لم يصح القياس؛ لأن الصلاة ليست طهارة، والجامع بينهما منتف.
واعلم أنا قد ذكرنا قبل هذا بيسير أن الأصل يجوز أن يثبت بالقياس، وهاهنا ذكرنا أنه لا يجوز، وهما قولان لأصحابنا، والقول بعدم الجواز هو المشهور لإفضاء القول بالجواز إلى العبث المذكور، ولا يمكن أن يخرج للقول بالجواز فائدة إلا أن يكون الأصل ثابتا بقياس شبهي، ومحل النزاع يلحق به بقياس جلي بحيث يكون محل النزاع بأصله أشبه منه بالأصل البعيد، كما لو جعلنا علة الفضة الوزن والثمنية جميعا، وقسنا عليه الحديد قياسا شبهيا لاشتراكهما في الوزن، ثم قسنا الصفر أو الرصاص ونحوه على الحديد، لكن هذا أيضا لا جدوى له، إذ القياس