ومثال ما ثبتت علته بالإجماع: نهي النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يقضي القاضي وهو غضبان، فقياس منع الحاقن من القضاء على منع الغضبان منه من القياس الجلي، لثبوت علة الأصل بالإجماع وهي تشويش الفكر وانشغال القلب.
ومثال ما كان مقطوعاً فيه بنفي الفارق بين الأصل والفرع: قياس تحريم إتلاف مال اليتيم باللبس على تحريم إتلافه بالأكل للقطع بنفي الفارق بينهما.
والخفي: ما ثبتت علته باستنباط، ولم يقطع فيه بنفي الفارق بين الأصل والفرع.
مثاله: قياس الأشنان على البر في تحريم الربا بجامع الكيل، فإن التعليل بالكيل لم يثبت بنص ولا إجماع، ولم يقطع فيه بنفي الفارق بين الأصل والفرع، إذ من الجائز أن يفرق بينهما بأن البر مطعوم بخلاف الأشنان).
ذكر الشيخ هنا تقسيم القياس من حيث قوته وضعفه إلى: جلي وخفي، وقسمه ابن عقيل وغيره إلى: جلي وخفي وواضح، وقسمه القاضي وغيره إلى: واضح وخفي (١).
قال المرداوي في "التحبير"(٧/ ٣٤٥٧): (القياس له اعتبارات، فتارة يكون باعتبار قوته وضعفه، وتارة باعتبار علته، وكل منهما له أقسام. فالقياس ينقسم باعتبار قوته وضعفه إلى: جلي وخفي. فالجلي: ما قطع فيه بنفي الفارق كقياس الأمة على العبد في السراية وغيرها، في العتق وغيره في قوله: ' من أعتق شركا له في عبد، وكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل ... الحديث '.، فإنا نقطع بعدم اعتبار الشارع الذكورة والأنوثة فيه. ومثل قوله: ' أيما رجل أفلس فصاحب المتاع أحق بمتاعه '، نقطع أن المرأة في معناه. ومثله قياس الصبية على الصبي في حديث: ' مروهم بالصلاة لسبع واضربوهم على تركها لعشر '، فإنا نقطع - أيضا - بعدم اعتبار الشرع الذكورة والأنوثة، ونقطع بأن لا فارق بينهما في الموضعين. وأما الخفي: فهو خلاف الجلي، وهو ما كان احتمال تأثير الفارق فيه
(١) انظر: الواضح لابن عقيل (٢/ ٥٤)، والجدل له أيضا (ص/١١)، العدة (٤/ ١٣٢٥)، شرح مختصر الروضة (٣/ ٢٢٣)، التحبير (٧/ ٣٤٥٧)، شرح الكوكب المنير (٤/ ٢٠٧)، المختصر لابن اللحام (ص/١٥٠).