للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القياس، لكنه قياس جلي لا يحتاج إلى فكر وتأمل (١). وهو اختيار أبي الحسن الجزري من أصحابنا. ذكره في جزء فيه مسائل الأصول، في موضعين منه، فقال: مفهوم النص هو القياس.

دليلنا:

أن القياس ما يختص بفهمه أهل النظر والاستدلال، فيفتقرون في إثبات الحكم به إلى ضرب من النظر والاستدلال والتأمل بحال الفرع والأصل.

فأما ما دل عليه فحوى الخطاب الذي ذكرناه، فإنه يستوي فيه العالم والعامي العاقل الذي لم يدر ما القياس، فكيف يجوز إجراء اسم القياس عليه؟!.

وأيضا: فإن أهل اللغة لا يختلفون أن من نهي عن التأفيف لوالديه، عقل منه تحريم الشتم والضرب، كما أن من أمر بتعظيم زيد، عقل منه ترك الاستخفاف به.

وكما أن من وصف بالعجز عن حمل شيء يسير، عقل منه عجزه عن حمله ما هو فوقه. ومن حمل نفسه على دفع ذلك لم يكن في حد من يناظر.

وإذا كان هذا من اللفظ لم يجز إطلاق اسم القياس عليه.


(١) علق المحقق هنا فقال: (هذا رأي الإمام الشافعي كما في الرسالة ص (٥١٣)، وهو ما نقل عنه في جمع الجوامع (١/ ٢٤٢). وقد اختاره إمام الحرمين في البرهان (م/٧٨٦)، حيث قال: ( ... وهذه مسألة لفظيه، ليس وراءها فائدة معنوية، ولكن الأمر إذا رد إلى حكم اللفظ فعد ذلك من القياس أمثل، من جهة أن النص غير مشعر به من طريق وضع اللغة وموجب اللسان).
ولكن هناك رأيا ثانيا لبعض الشافعية، وهو: أن دلالته لفظية، ولهم في تفسير ذلك اتجاهان:
الأول: أنها فهمت من ناحية اللغة، وهذا ما نسبه الشيرازي في التبصرة ص (٢٢٧) إلى بعض الشافعية، ولم يفصل.
الثاني: أنها فهمت من السياق والقرائن، وهو قول الغزالي في المستصفى (٢/ ١٩٠) والآمدي في الإحكام (٣/ ٦٣).
وبناء على ما تقدم يكون عزو المؤلف عن أصحاب الشافعي أنهم يقولون بأنه مستفاد من جهة القياس ليس محررا، فإن ذلك قول إمامهم وبعض أصحابه، إلا أن يكون القول الثاني لم يقل به أحد من الشافعية حتى انقضى زمن المؤلف، فيتجه. والله أعلم).

<<  <   >  >>