للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المذكورة وهي المناسب، والطردي، والشبهي.

فالجمع بين الأصل والفرع بالوصف المناسب هو قياس العلة، لأن الحكم ثبت في الفرع بعلة الأصل، كثبوت التحريم في النبيذ بعلة الإسكار التي ثبت بها تحريم الخمر، وإثبات القصاص في المثقل بعلة القتل العمد والعدوان التي ثبت بها في المحدد، «وكذلك اتباع كل وصف ظهر كونه مناطا للحكم» بنص أو إجماع أو غير ذلك، فهو من قبيل قياس العلة، لأنا لا نعني بقياس العلة إلا اتباع مناط الحكم في الجمع بين الأصل والفرع به.

«والثاني: طردي» وهو الجمع بين الأصل والفرع بوصف يعلم خلوه عن المصلحة، وعدم التفات الشرع إليه كما سبق من قولهم: مائع (١) لا يبنى على جنسه القناطر، أو لا يصاد منه السمك، أو لا تجري عليه السفن، أو لا ينبت فيه القصب، أو لا يعوم فيه الجواميس، أو لا يزرع عليه الزروع، ونحو ذلك، أو يقال: أعرابي أو إنسان، فوجبت عليه الكفارة قياسا على الأعرابي المذكور في الحديث.

«والثالث: الشبه» أي: قياس الشبه وهو الجمع بين الأصل والفرع بوصف شبهي، وهو ما نزل عن المناسب وارتفع عن الطردي، أو ما توهم اشتماله على المصلحة، ولم يقطع بها فيه على ما سبق بيانه والخلاف فيه.

فإن قيل: كل قياس فهو مشتمل على شبه واطراد، إذ الوصف في قياس العلة في الفرع يشبه الوصف في الأصل لأنه مثله، والمثلية أخص من المشابهة، والأعم لازم للأخص، كوصف الإسكار في النبيذ هو مساو لوصف الإسكار في الخمر في ماهية


(١) كالنبيذ والخل مثلا في عدم إزالة النجاسة، أو الوضوء به، والمقصود بيان أن هذه الأوصاف طردية، قال الشيخ عياض السلمي في "أصوله" (ص/١٧٠): (وأما قول بعضهم في الاستدلال على أن النبيذ لا يجوز الوضوء به: النبيذ مائع لا تبنى على مثله القناطر فلا يجوز الوضوء به كاللبن. فهذا قد جعله بعضهم من قياس الدلالة؛ لأن كونه لا تبنى على مثله القناطر دليل على قلته وعدم توافره، والشرع يبني على قلة الشيء وندرته أحكاما كما في التيمم، فإن الشرع جعله بالتراب لتوافره ولم يجعله بالمسك مثلا أو بغيره مما يشبه التراب ولا يتيسر لكل أحد.
وقال آخرون: بل هذا المثال من قياس الطرد الباطل؛ فكون الشيء لا تبنى على مثله القناطر، وصف طردي، لا مناسبة بينه وبين الحكم الذي رتب عليه وهو عدم جواز الوضوء به).

<<  <   >  >>