الثالث: أن يكون أحدهما قطعيا، والآخر ظنيا، فيقدم القطعي باتفاق العقلاء، لأن اليقين لا يدفع بالظن).
قال ابن قدامة في " روضة الناظر"(ص / ٣٨٧): (ولا يتصور التعارض في القواطع إلا أن يكون أحدهما منسوخا، ولا يتصور أن يتعارض علم وظن لأن ما علم كيف يظن خلافه وظن خلافه شك فكيف يشك فيما يعلم).
قال الشنقيطي في "المذكرة"(ص/٢٩٢): (وأعلم أن التعارض لا يكون بين قطعيين ولا بين قطعي وظني وإنما يكون بين ظنيين فقط.
وأعلم أن تعادل الدليلين الظنيين بحسب ما يظهر للمجتهد جائز اتفاقاً، أما تعادلهما في نفس الأمر فاختلف فيه فنقل الإمام أحمد والكرخي أنه لا يمكن تعادلهما في نفس الأمر وصححه صاحب جمع الجوامع، والأكثرون على جوازه، ومنهم من قال: هو جائز غير واقع).
وقال المرداوي في " التحبير"(٨/ ٤١٢٦): (التعادل بين قطعيين ممتنع قطعا سواء كانا عقليين أو نقليين، أو أحدهما عقليا والآخر نقليا؛ إذ لو فرض ذلك لزم اجتماع النقيضين، أو ارتفاعهما، وترجيح أحدهما على الآخر محال فلا مدخل للترجيح في الأدلة القطعية؛ لأن الترجيح فرع التعارض ولا تعارض فيها فلا ترجيح ... ومثل ذلك القطعي والظني، أعني أنه لا تعادل بينهما ولا تعارض لانتفاء الظن؛ لأنه يستحيل وجود ظن في مقابلة يقين خلافه، فالقاطع هو المعمول به والظن لغو، وكذلك لا يتعارض حكم مجمع عليه مع حكم آخر ليس مجمعا عليه.
قوله:{وكذا ظنيان عند أحمد، وأكثر أصحابه، والكرخي، وبعض الشافعية ... ، وقال القاضي وابن عقيل والأكثر: يجوز تعادلهما كما في نظر المجتهد اتفاقا وحكي عن أحمد}).
وقال علوي الشنقيطي في "نشر البنود"(٢/ ٥١٤) شارحا قوله في المراقي:
والاعتدال جائز في الواقع ........
يعني: أن تعادل الدليلين الظنيين في الواقع أي في نفس الأمر جائز عند الأكثر، والمراد بالتعادل تنافيهما على حكمين متناقضين مع اتحاد الفعل من غير مرجح