أو كلٌّ يقال عنه: إنه عالم، فمن الذي يسأل؟ هل نقول: يجب عليك أن تتحرى مَن هو أقرب إلى الصواب فتسأله ثم تأخذ بقوله، أو نقول: اسأل مَن شئت ممَّن تراه من أهل العلم، والمفضول قد يوفَّق للعلم في مسألة معيَّنة، ولا يوفَّق مَن هو أفضل منه وأعلم ـ اختلف في هذا أهل العلم؟
فمنهم مَن يرى: أنه يجب على العامي أن يسأل مَن يراه أوثق في علمه من علماء بلده، لأنه كما أن الإنسان الذي أصيب بمرض في جسمه فإنه يطلب لمرضه مَن يراه أقوى معرفة في أمور الطب فكذلك هنا؛ لأن العلم دواء القلوب، فكما أنك تختار لمرضك مَن تراه أقوى فكذلك هنا يجب أن تختار مَن تراه أقوى علماً إذ لا فرق.
ومنهم مَن يرى: أن ذلك ليس بواجب؛ لأن مَن هو أقوى عِلماً قد لا يكون أعلم في كل مسألة بعينها، ويرشح هذا القول أن الناس في عهد الصحابة رضي الله عنهم كانوا يسألون المفضول مع وجود الفاضل.
والذي أرى في هذه المسألة أنه يسأل مَن يراه أفضل في دينه وعلمه لا على سبيل الوجوب، لأن من هو أفضل قد يخطأ في هذه المسألة المعينة، ومن هو مفضول قد يصيب فيها الصواب، فهو على سبيل الأولوية، والأرجح: أن يسأل من هو أقرب إلى الصواب لعلمه وورعه ودينه).
قال ابن النجار في "شرح الكوكب"(٤/ ٥٧١): (ولعامي تقليد مفضول) من المجتهدين عند الأكثر من أصحابنا، منهم: القاضي وأبو الخطاب وصاحب الروضة، وقاله الحنفية، والمالكية، وأكثر الشافعية، وقيل: يصح إن اعتقده فاضلا أو مساويا، لا إن اعتقده مفضولا؛ لأنه ليس من القواعد: أن يعدل عن الراجح إلى المرجوح، وقال ابن عقيل وابن سريج والقفال والسمعاني: يلزمه الاجتهاد.
فيقدم الأرجح، ومعناه قول الخرقي والموفق في المقنع، ولأحمد روايتان، واستدل للأول بأن المفضول من الصحابة والسلف كان يفتي مع وجود الفاضل، مع الاشتهار والتكرار، ولم ينكر ذلك أحد، فكان إجماعا على جواز استفتائه مع القدرة على استفتاء الفاضل، وقال - تعالى - فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [النحل: ٤٣، الأنبياء: ٧] وأيضا: فالعامي لا يمكنه الترجيح لقصوره ولو كلف بذلك لكان تكليفا بضرب من الاجتهاد، لكن زيف ابن الحاجب ذلك بأن الترجيح يظهر بالتسامع