٦٠]، أي: لا تعرفونهم الله يعرفهم، قال: فإن قلت: لا تطلق المعرفة على الله؛ لأنها توهم سابقة الجهل، قلت: سابقة الجهل إنما تكون فيمن يصح عليه الجهل) انتهى. وهو كما قلنا، وقد تقدم عند قولنا:(إن العلم يأتي بمعنى المعرفة): أن البرماوي وغيره استدلوا لذلك بآيات كثيرة أن العلم من الله بمعنى المعرفة، فليعاود، ومرادهم ما قلنا).
وقال الشيخ بكر أبو زيد - رحمه الله - في "معجم المناهي اللفظية": (بسط ابن القيم - رحمه الله تعالى - في: ((مدارج السالكين)) منزلة المعرفة، مبيناً حقيقتها، والفروق بينها وبين العلم ... وفي ((بدائع الفوائد)) عقد فائدة بديعة ذكر فيها حقيقة العلم والمعرفة، ثم قال:(إذا عرف هذا فقال بعض المتكلمين: لا يضاف إلى الله سبحانه إلا العلم لا المعرفة؛ لأن علمه متعلق بالأشياء كلها مركبها ومفردها تعلقاً واحداً بخلاف علم المحدثين، فإن معرفتهم بالشيء المفرد وعلمهم به غير علمهم ومعرفتهم لشيء آخر. وهذا بناء منه على أن الله تعالى يعلم المعلومات كلها بعلم واحد، وأن علمه بصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو عين علمه بكذب مسيلمة.
والذي عليه محققو النظار خلاف هذا القول، وأن العلوم متكاثرة متغايرة بتكثر المعلومات وتغايرها فلكل معلوم علم يخصه. ولإبطال قول أُولئك وذكر الأدلة الراجحة على صحة قول هؤلاء مكان هو أليق به.
وعلى هذا فالفرق بين إضافة العلم إليه تعالى وعدم إضافة المعرفة لا ترجع إلى الإفراد والتركيب في متعلق العلم وإنما ترجع إلى نفس المعرفة ومعناها؛ فإنما في مجاري استعمالها إنما تستعمل فيما سبق تصوره من نسيان أو ذهول، أو عزوب عن القلب، فإذا حصل وتصور في الذهن قيل: عرفه، أو وصف له صفته ولم يره، فإذا رآه بتلك الصفة وتعينت فيه قيل: عرفه ألا ترى أنك إذا غاب عنك وجه الرجل ثم رأيته بعد زمان فتبينت أنه هو؛ قلت: عرفته؟ وكذلك عرفت اللفظة، وعرفت الديار، وعرفت المنزل، وعرفت الطريق.
وسر المسألة: أن المعرفة لتمييز ما اختلط فيه المعروف بغيره فاشتبه، فالمعرفة تمييز له وتعيين، ومن هذا قوله تعالى: (يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ) [البقرة: