للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْت: «لَنْ يَدْخُل عَلَيْك إِلَّا مَنْ تُرِيد».

فَأَطْرَقَ هُنَيْهَة ثُمَّ رَفَعَ رَأْسه فَإِذَا عَيْنَاهُ مخضَّلَتانِ بِالدُّمُوعِ، فَقُلْت: «مَا بُكَاؤُك يَا سَيِّدِي؟».

قَالَ: «أَتَعَلَّم أَيْنَ زَوْجَتِي الآن».

قُلْت: «وَمَاذَا تُرِيد مِنْهَا؟».

قَالَ: «لَا شَيْء سِوَى أَنْ أَقُول لَهَا إِنِّي قَدْ عَفَوْت عَنْهَا».

قُلْت: «إِنَّهَا فِي بَيْت أَبِيهَا».

قَالَ: «وارحمتاه لَهَا وَلِأَبِيهَا وَلِجَمِيع قَوْمهَا، فَقَدْ كَانُوا قَبْل أَنْ يَتَّصِلُوا بِي شُرَفَاء أَمْجَادًا فَأَلْبَسْتْهُمْ مُذْ (١) عرفوني ثَوْبًا مِنْ الْعَار لَا تَبْلُوهُ الأَيَّام.

مَنْ لِي بِمَنْ يَبْلُغهُمْ عَنِّي جَمِيعًا أَنَّنِي مَرِيض مُشْرِف (٢) وَأَنَّنِي أَخْشَى لِقَاء اللهِ إِنْ لَقِيتُهُ بِدِمَائِهِمْ وَأَنَّنِي أُضْرع إِلَيْهِمْ أَنْ يَصْفَحُوا عَنِّي وَيَغْفِرُوا زَلَّتِي قَبْل أَنْ يَسْبِق إِلَيَّ أَجْلِي؟ لَقَدْ كُنْت أَقْسَمْتُ لِأَبِيهَا يَوْم اهتديتُها أَنْ أَصُونَ عِرْضهَا صِيَانَتِي لِحَيَاتِي وَأَنْ أَمْنَعهَا مِمَّا أَمْنَع مِنْهُ نَفْسِيّ فَحَنِثْتُ فِي يَمِينِي فَهَلْ يَغْفِر لِي ذَنْبِي فَيَغْفِر لِي اللهُ بِغُفْرَانِهِ؟

نَعَمْ إِنَّهَا قَتَلَتْنِي وَلَكِنَّنِي أَنَا الذِي وَضَعْتُ فِي يَدهَا الخِنْجَر الذِي أَغْمَدْته فِي صَدْرِي فَلَا يَسْأَلهَا أَحَد عَنْ ذَنْبِي.

البَيْت بَيْتِي، وَالزَّوْجَة زَوْجَتِي، وَالصَّدِيق صَدِيقِي، وَأَنَا الذِي فَتَحْتُ بَاب بَيْتِي لِصَدِيقِي إِلَى زَوْجَتِي فَلَمْ يُذْنِب إِلَى أَحَد سِوَايَ».

ثُمَّ أَمْسَكَ عَنْ الكَلَام هُنَيْهَة فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ فَإِذَا سَحَابَة سَوْدَاء تُنْشَر فَوْق جَبِينه شَيْئًا


(١) مُذْ: مُنْذُ.
(٢) أي على الموت.

<<  <  ج: ص:  >  >>