للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالطَّوَافِ مِنْ وَرَاء النَّاس لِشَيْئَيْنِ:

أَحَدهمَا: أَنَّ سُنَّة النِّسَاء التَّبَاعُد عَنْ الرِّجَال فِي الطَّوَاف.

وَالثَّانِي: أَنَّ قُرْبهَا يُخَاف مِنْهُ تَأَذِّي النَّاس بِدَابَّتِهَا، وَكَذَا إِذَا طَافَ الرَّجُل رَاكِبًا، وَإِنَّمَا طَافَتْ فِي حَال صَلَاة النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - لِيَكُونَ أَسْتَر لَهَا وَكَانَتْ هَذِهِ الصَّلَاة صَلَاة الصُّبْح» (١).

وقال الحافظ ابن حجر في شرحه لهذا الحديث من صحيح البخاري: «وَإِنَّمَا أَمَرَهَا أَنْ تَطُوف مِنْ وَرَاء النَّاس لِيَكُونَ أَسْتَرَ لَهَا وَلَا تَقْطَع صُفُوفهمْ أَيْضًا وَلَا يَتَأَذَّوْنَ بِدَابَّتِهَا» (٢).

وقال الباجي في شرحه لهذا الحديث من (الموطأ): «وَأَمَّا طَوَافُ النِّسَاءِ مِنْ وَرَاءِ الرِّجَالِ فَهُوَ لِلْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ: «طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ»، وَلَمْ يَكُنْ لِأَجْلِ الْبَعِيرِ فَقَدْ طَافَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - عَلَى بَعِيرِهِ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنِهِ (٣)، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى اتِّصَالِهِ بِالْبَيْتِ لَكِنْ مَنْ طَافَ غَيْرُهُ مِنْ الرِّجَالِ عَلَى بَعِيرٍ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ إِنْ خَافَ أَنْ يُؤْذِيَ أَحَدًا أَنْ يَبْعُدَ قَلِيلًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَوْلَ الْبَيْتِ زِحَامٌ وَأَمِنَ أَنْ يُؤْذِيَ أَحَدًا فَلْيَقْرُبْ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم -.

وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنَّ مِنْ سُنَّتِهَا أَنْ تَطُوفَ وَرَاءَ الرِّجَالِ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ لَهَا تَعَلُّقٌ بِالْبَيْتِ فَكَانَ مِنْ سُنَّةِ النِّسَاءِ أَنْ يَكُنَّ وَرَاءَ الرِّجَالِ كَالصَّلَاةِ».اهـ.

وفي صحيح البخاري أن ابن جريج قال لعطاء: «كَيْفَ يُخَالِطْنَ الرِّجَالَ؟»، قال: «لَمْ يَكُنَّ يُخَالِطْنَ، كَانَتْ عَائِشَةُ - رضي الله عنها - تَطُوفُ حَجْرَةً مِنْ الرِّجَالِ لَا تُخَالِطُهُمْ، فَقَالَتْ امْرَأَةٌ:


(١) شرح صحيح مسلم (٩/ ٢٠).
(٢) فتح الباري (٣/ ٤٨٠).
(٣) رواه مسلم، والْمِحْجَن بِكَسْرِ الْمِيم، هُوَ عَصَا فِيهَا تَعَقُّف (أي انحناء والتواء) يَلْتَقِط بِهَا الرَّاكِب مَا سَقَطَ مِنْهُ. (بتصرف من شرح النووي على صحيح مسلم (١٠/ ٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>