الاضطراب الذي كان سائداً في الإمبراطورية الشرقية حال دون ذلك. ثم ساءت حال القُسطنطينية خاصة، ونشبت فيها فتنة سنة (٥٣٢ م) من (١١ - ١٨ كانون الثاني - يناير) سقط فيها ثلاثون ألف قتيل على الأقل، وقال بعضهم: بل خمسون ألفاً. ورأى يوستنيانوس أن الأمر قد خرج من يديه، وأن ملكه زائل لا مَحالة، فأراد أن يهرب من القسطنطينية ناجياً بنفسه، غير أن زوجته ثيودورا ثبّتته واستثارت نخوته، حتى عزم على التمكين لنفسه ولعرشه.
ولما هدأت الحال في القسطنطينية، عاد يوستنيانوس إلى التفكير بشمالي إفريقية وبهيلديريك وغيلمير، فأرسل حملة إلى شمالي إفريقية سنة (٥٣٣ م) بقيادة أعظم قادته بليساريوس، فانهزم غيلمير، ثم استسلم (آذار - مارس- ٥٣٤ م)، وقضى بذلك على مملكة الفاندال.
على أن القضاء على مملكة الفاندال في شمالي إفريقية، لم يرد شمالي إفريقية إلى الإمبراطورية الرومانية الغربية، ولا جعل شمالي إفريقية تستقر تحت سلطان الإمبراطورية الرومانية الشرقية، ذلك لأن البربر استمروا في ثوراتهم على الروم. ومع أن الروم قد حاولوا إخضاع البربر في أوقات مختلفة، في (٥٣٨ م، و ٥٣٩ - ٥٤٤ م، و ٥٤٦ - ٥٤٨ م) فإنهم لم يستطيعوا أن يفرضوا على شمالي إفريقية سوى ظل خفيف من سلطانهم، وعلى عدد قليل من المراكز الساحلية فقط.
[ي - القوط الغربيون في إسبانيا:]
ولما وثب ثيودوريك الأكبر ملك القوط الشرقيين في إيطاليا على آدوفاكر وذبحه، أصهر إلى الفرنجة، فتزوج بنت ملكهم كلوفيس، وقيل: بل أخته. وقد غلّ هذا التقارب بين القوط الشرقيين وبين الفرنجة يد الرومان، ثم مكَّن القوط الغربيين من التوسع في غربي أوروبة، إذ استطاعوا في مطلع القرن السادس للميلاد أن يحتلوا بقيادة زعيمهم الأريك الثاني (٤٨٤ - ٥٠٧ م) معظم