بخلاً لا يناسب ما قدمه للمسلمين من جهود مثمرة، فأخباره في تلك المصادر قليلة جداً، إلاّ أنه يبدو بجلاء أنه كان رجلاً من رجال المسلمين الأبرار، الذين سخّروا مواهبهم لخدمة مصلحة المسلمين العليا، ولم يسخِّروها لخدمة مصلحتهم الشخصية، وحسبه بذلك عملاً من الأعمال الباقية التي لا تُنْسى.
[القائد]
كان طريف أحد موالي موسى بن نصير كما ذكرنا، فكان بتماس شديد مع أمير إفريقية والمغرب، وكان موسى دائب الحركة كثير النشاط، يسير من فتح إلى فتح في ولايته، حتى قضى على الفتن الداخلية قضاءً مبرماً، وأشاع الأمن والاطمئنان بين السكان، وفرض هيبة الدولة وسلطانها، وفتح ما لم يُفتح من قبل.
ويبدو أن طريفاً، برز من جملة مَن برز في عمليات موسى العسكرية، فلفت إليه الأنظار، ومنهم نظر موسى. وكان موسى بعد أن سيطر على إفريقية والمغرب سيطرة كاملة، يتطلع إلى فتح الأندلس، فقد كان حاضر إفريقية والمغرب ومستقبلهما بالنسبة لتوطيد أركان الفتوح فيهما، مهدّداً من الروم أولاً ومن القوط الغربيين في الأندلس ثانياً، وقد هاجم موسى قواعد الروم في البحر الأبيض المتوسط: صِقِلِّيَة وسَرْدانِيَة، وفتح مَيُوْرَقَة ومَنُوْرَقَة (١)، لغرض حماية فتوح إفريقية والمغرب من الروم، لأن الهجوم أنجع وسائل للدفاع؛ وبقي على موسى فتح الأندلس، لوضع حدّ نهائي لتهديد القوط الغربيين - الذين يحكمون الأندلس - لحاضر ومستقبل فتوح المسلمين في إفريقية والمغرب.
(١) أنظر تفاصيل ذلك في سيرة عبد الله بن موسى بن نُصَير في كتاب: قادة فتح الأندلس والبحار.