التي اتخذت لتشريد العرب المتنصرين وإبادتهم، بعين الكبرياء والرضى، وترى منها دائماً نوعاً من الإنقاذ القومي، وتطهيراً للدين والوطن من آثار الإسلام الخيرة. وهي تحيط هذه المرحلة من تاريخ إسبانيا بكثير من القصص والأساطير الحماسية، التي تشيد بظفر إسبانيا النصرانية، وبما أسبغت العناية الإلهية على خطتها وسياستها، في إبادة تراث العرب والإسلام، وفي القضاء إلى الأبد على آثار تلك الدولة الإسلامية المجيدة، التي ازدهرت في إسبانيا زهاء ثمانية قرون، وعلى حضارتها وآدابها، وكل ذلك التراث العظيم الباهر.
على أن الرواية الإسبانية، بالرغم من تأثرها العميق بالعوامل القومية والدينية، تعرض علينا حوادث هذا النضال الأخير في أسلوب مؤثر. وقد لا تضنّ في بعض المواطن والمواقف بعطفها، وأحياناً بإعجابها، على تلك الأمة المغلوبة الباسلة، التي لبثت تناضل حتى الرمق الأخير عن كرامتها، وعن تراثها القومي والروحي.
ولسنا نظلم كتاب الإسبان النصارى، إذا قلنا: إنهم يمثلون التعصب الأعمى تمثيلاً عملياً، حتى كأن التعصب تصوّر فيهم أناساً يمشون على الأرض ويكتبون، فهم يتعصبون تعصباً أعمى لا مزيد عليه في القضايا الدينية والقومية، ويتعصبون تعصباً أعمى لا مزيد عليه على كل مسلم وكل عربي، ويرون حسناً ما ليس بالحسن، حتى يلمس من يقرأ آثارهم بوضوح انحرافهم الشنيع عن جادة الحق وابتعادهم الواضح الصريح عن كل نوع من أنواع المناهج العلمية في البحث والتأليف، فهم بقدر تعصبهم لقومهم ودينهم، متعصبون على غيره من القوميات الأخرى والأديان وبخاصة العرب والإسلام.
إن الدراسات الإسبانية الخاصة بالإسلام والعرب، التي كتبها الإسبان، لا يعتمد عليها ولا يوثق بها عامة، وهذا هو القاعدة، ولا عبرة بالاستثناء.