للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[القائد]

لئن كان طارق بن زياد، قد ترك ثغرة خطرة على فتحه، بالرغم من عظمة ذلك الفتح، هو تغلغله بالعمق في الأندلس، إلى مسافات لا تتناسب مع ما كان لديه من قوّات، فكانت خطوط مواصلاته مهدّدة بالانقطاع عن قاعدته الأمامية المتقدِّمة في جبل طارق، وقواعده في طَنْجَة وسَبْتَة والقيروان، وكان جناحاه الأيمن والأيسر مهددين بحشود المقاومة القوطية المتنامية. ولكن اعتماد طارق على قيادة موسى بن نُصير، قائده المباشر، سوّغ له هذا التغلغل عمقاً في الأندلس، لأنّه كان يثق ثقة مطلقة بأنّ موسى لن يتركه وحده في مصاولة القوط، ولن يسمح للمقاومة القوطية أن تقطع خطوط مواصلاته، أو تعرِّض جناحيه للخطر الدّاهم، وفعلاً كان موسى عند حسن ظنِّ طارق به، فلم يفسح المجال للمقاومة القوطية أن تلحق الضرر بقوّات طارق، وعمل على ملافاة الخطر من تغلغل طارق فوراً وفي الزمان والمكان المناسبين.

ولئن كان الهدف الرئيس من عبور موسى بن نُصير إلى الأندلس، هو لحماية قوّات طارق من خطر تعرّض خطوط مواصلاتها للانقطاع، ومن خطر تعرّض جناحيها للتهديد المعادي، ولحرمان المقاومة القوطية من محاولة قطع خطوط مواصلات قوّات طارق وتهديد جناحيها المكشوفَيْن.

فإنّ عبد العزيز في الواقع، هو الذي نفذ عملياً خطّة الانقاذ لقوات طارق التي وضَعها موسى، وعبر إلى الأندلس من أجل تنفيذها، فاستعاد فتح إشبيلية من جديد، ورصّن قوّات المسلمين في لَبْلَة وباجَة، وبذلك حمى خطوط مواصلات طارق وموسى من القطع، كما فتح جنوبيّ وجنوب شرقي الأندلس، وبذلك حمى جناح قوّات طارق وموسى الأيسر، فأصبحت بذلك قوّات المسلمين في الأندلس، على الرغم من تغلغلها عمقاً نحو الشمال، في أمان واطمئنان، ولا تخشى قطع خطوط مواصلاتها، ولا تحذر تهديد

<<  <  ج: ص:  >  >>