للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٤ - أبو عبد الله في المغرب ودفاعه عن نفسه]

نزل أبو عبد الله أولاً في مليلة، ثم قصد إلى فاس واستقر بها (١)، وتقدّم إلى ملكها السلطان أبي عبد الله محمد الشيخ، زعيم وَطّاس (٢) الذين خلفوا بني مرين في الملك مستجيراً به، مستظلاً بلوائه ورعايته، معتدْراً عما أصاب الإسلام في الأندلس على يده، متبرئاً مما نسب إليه من إثم وتفريط في حق الوطن والدين.

وهذا الدفاع الشهير الذي يقدّمه أبو عبد الله إلينا عن موقفه وتصرفه، هو قطعة رائعة من الفصاحة السياسية والبيان الساحر، وهو يدل في روحه وقوته وروعته، على فداحة التبعة التي شعر آخر ملوك الأندلس أنه يحملها أمام الله والتاريخ، وأمام الأمم الإسلامية والأجيال القادمة كلها، على أن هذا الأمير المنكود لم يرد أن ينحدر إلى غمرة النسيان والعدم، محكوماً عليه دون أن يبسط للتاريخ قضيته، فيصدر حكمه فيها على ضوء أقواله ودفاعه.

وقد كتب هذا الدفاع الشهير الفريد في التاريخ الإسلامي، على لسان أبي عبد الله وزيره وكاتبه، محمد بن عبد الله العربي العقيلي، في رسالة مستفيضة مؤثرة، موجهة إلى ملك فاس، وجعل لها عنواناً شعرياً مشجياً هو: "الروض العاطر الأنفاس في التوسل إلى المولى الإمام سلطان فاس". وقد كان العقيلي من أعلام البلاغة في هذا العصر. ولما عوّل أبو عبد الله على الرّحيل إلى


(١) أزهار الرياض (١/ ٦٧ و ٧١).
(٢) هم بطن من بطون بني مرين، وقد ظهروا في بداية أمرهم بتولي الوزارة، ونشأت بينهم وبين بني مرين فيما بعد خصومة ومنافسة. وقام كبيرهم ومؤسس دولتهم أبو عبد الله محمد الشيخ بن زكريا أولاًَ في ثغر أصيلا، واستفحل أمره ثم زحف على فاس واستولى عليها في سنة (٨٧٦ هـ) = (١٤٧٢ م) ثم غلبت على سائر الجهات والقبائل المحيطة بها وقامت فوق أنقاض ملك بني مرين دولة مغربية جديدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>