للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أن ما يقال أخيراً أنه ما زالت ثمة إلى اليوم، في بلنسية وفي غرناطة ومقاطعة لامنشا، جماعات من الإسبان، تغلب عليهم تقاليد الموريسكيين في اللباس والعادات، ويجهلون الطقوس النصرانية الخالصة (١).

والحقيقة أنه يصعب على الباحث، أن يعتقد أن إسبانيا النصرانية، قد استطاعت حقاً بكل ما لجأت إليه، من الوسائل المغرقة في الظلم، أن تقضي نهائياً على آثار السلالة العربية والحضارة الإسلامية، بعد أن لبثت ثمانية قرون تغمر النصف الجنوبي لشبه الجزيرة، فإن تاريخ الحضارة يدلّنا على أنه من المستحيل أن تجتثّ آثار السلالات البشرية، خصوصاً إذا لبثت آماداً مختلفة متداخلة، على أن حضارة أمة من الأمم إنما هي خلاصة لتفاعل الأجيال المتعاقبة. وفي وسع مؤرخ الحضارة أن يلمس في تكوين المجتمع الإسباني الحاضر، ولاسيما في الجنوب، في ولايات الأندلس القديمة، وفي خصائصه وتقاليده، وفي حياته الإجتماعية، وفي حضارته على العموم، كثيراً من الخلال والظواهر، التي ترجع في روحها إلى تراث العرب والحضارة الإسلامية (٢).

تأمّلات في آثار المأساة الأندلسية

أ - تلك هي قصة الموريسكيين أو العرب المتنصرين: قصة مؤسية تفيض بألوان الاستشهاد المحزن والصبر الجميل، ولكن تفيض في نفس الوقت بصحف من الإباء والبسالة والجلد، تخلق بأعظم وأنبل الشعوب. وقد لبثت السياسة البربرية التي اتبعتها إسبانيا النصرانية، واتبعها ديوان التحقيق الإسباني، إزاء العرب المتنصرين على كرّ العصور، مثار الإنكار والسخط،


(١) Dr Lea: ibid. P. ٣٩٥.
(٢) نهاية الأندلس (٣٧٦ - ٣٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>