للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأخرى أثر طيّب في تهذيب نفوس القوط وتهيئتهم للعيش المستقرّ والائتلاف مع أهل البلاد، واستطاع رجاله كذلك الحيلولة بين الملوك وبين الاستبداد السيء المطلق بشئون الرعية.

[و- المجتمع الإسباني أيام القوط:]

والخلاف شديد بين المؤرخين حول أحوال المجتمع الإسباني خلال هذا العصر القوطي، فمعظم الإسبان شديدو العصبية لهذا العصر، يذهبون إلى أن الناس كانوا يستمتعون فيه برخاء ظاهر في كل ناحية من نواحي الحياة، وأن الزراع والصناع كانوا في رفاهية، وأن موارد البلاد في ازدياد مستمر، وأن العصر على العموم كان عصر نهضة إسبانية مسيحية. وهم إنما يبالغون هذه المبالغة لكي يؤكدوا أن النهضة التي حدثت في ظلال الإسلام بعد ذلك لم تكن شيئاً جديداً على البلاد، وأن فضلها لا يعود إلى المسلمين وحدهم، وإنما كانت البلاد سائرة في طريقها على أي حال.

أما حقيقة الحال، فكانت بعيدة جداً عما يذهب إليه هؤلاء المؤرخون،

فلم يكن الحال بدرجة من السوء بهذا الشكل الذي يصوره دوزى في كتابه،

ولكنه كان سيئاً على كل حال، ولا يقارن بحال بما وصلت إليه البلاد من

الرفاهية والرقي في عصور المسلمين. وذلك هو الرأي الذي يميل إليه

المؤرخون المنصفون من الإسبان أنفسهم، بعد أن تجلت مظاهر الحضارة

الإسلامية الإسبانية، وأصبحت أوضح من أن يماري بها أحد أو يفضل عليها

نظاماً اجتماعياً مضطرباً كنظام المجتمع القوطي الإسباني قبل الفتح

الإسلامي (١).

وطبيعي ألاّ يستطيع القوط إنشاء مجتمع جديد خير من المجتمع الروماني


= Maurice Legendre, Nouvelle Histoire d'Espagne.pp٧٣.sqq.. أنظر فجر الأندلس (٢٤) الفقرة (١).
(١) Dozy. Musulmans d'Espagne, ١, pp. ٢٥٨-٢٥٩

<<  <  ج: ص:  >  >>