وليس عبد الله وحده، خدم بلاده وأمته إدارياً وقائداً، وجندياً فاتحاً، ثم قابله قومه بالعقوق، وعاقبوه على إحسانه بالاغتيال والنسيان، فهو أحد الذين تخلّى عنه الناس لأن النّظام السّائد تخلّى عنه، متناسين جهاده وجهوده وفتوحه، ولعلّ ماضيه المجيد أصبح وبالاً عليه، فسقط مضرّجاً بدمائه بسيوف لم تفرِّح عدوّاً في ساحات الجهاد، وضرّجت مجاهداً فاتحاً في بيت من بيوت الله.
إنه حلقة من سلسلة طويلة جداً، تلقى أصحابها العقوق والنسيان، جزاء ما قدموه من جهود وإحسان.
[القائد]
مفتاح شخصية عبد الله قائداً، يكمن في شجاعته الشخصية وإقدامه، فقد تولّى قيادة حملة تأديبية في البحر مرتين: الأولى سنة خمس وثمانين الهجرية (٧٠٤ م) على قاعدة الروم في صقلية، والثانية سنة سبع وثمانين الهجرية (٧٠٥ م) على قاعدة الرّوم في سردينيا، وكانت الحملتان التأديبيتان البحريتان على الروم في قواعدهم الأمامية المتقدمة، التي ينطلقون منها للتعرض بالمسلمين الفاتحين في شمالي إفريقية على ساحل البحر الأبيض المتوسط، ناجحتين للغاية، أعطى بهما عبد الله درساً للروم لن ينسوه، هو أن تعرّضهم بالمسلمين لن يمرّ بدون عقاب، وأن من الخير لهم أن يتخلّوا عن تعرّضهم بالمسلمين، لأنه لا يفيدهم في استعادة ما خسروه من مناطق في إفريقية فحسب، بل يعرّضهم لخسارة مناطق جديدة يمتلكونها في البحر، كجزر البحر الأبيض المتوسط وعلى رأسها جزيرتا: صقلية وسردانية، أكبر قاعدتين أماميتين متقدمتين لهم في جزر البحر الأبيض المتوسط.
ومن الواضح، أن اقتحام البحر، وقيادة حملة بحرية، من قائد لم يَعْتَد ركوب البحر ولا معاناة أهواله، للهجوم على عدو مارس حروب البحر واعتاد