وهنا يسدل الستار على تلك المناظر الرائعة المؤثرة، التي تقدمها الرواية لنا عن بسالة المسلمين في الدفاع عن مدينتهم وعلى ذلك الموقف الباهر الذي اتخذه أبو عبد الله مدى حين، واتّشح بثوب البطل المدافع عن ملكه وأمّته ودينه، وتبرز لنا طائفة من الحقائق المؤلمة التي تصم أولئك الزعماء والقادة، الذين جنحوا في النهاية إلى المساومة بحقوق أمتهم، واستغلالها لمآربهم الخاصة.
يقول صاحب أخبار العصر: إن كثيراً من الناس زعموا أن أمير غرناطة ووزيره وقواده، كان قد تقدم الكلام بينهم وبين ملك قشتالة سرّاً في تسليم غرناطة، ولم يجرأوا على المجاهرة بعزمهم خشية انتقاض الشعب، وإنهم لبثوا حيناً يلاطفون الشعب ويملقونه، حتى ألفوا السبيل ممهّداً للعمل برضاء الشعب وموافقته، ويستشهد أصحاب هذه الرواية بما حدث من انقطاع المعارك بين المسلمين والنصارى حيناً قبل بدء المفاوضة في التسليم، وتزيد الرواية على ذلك، بأن القوّاد المسلمين الذين اضطلعوا بهذه المفاوضة، تلقّوا تحفاً وأموالاً جزيلة من ملك قشتالة (١).
وفي نفس الوقت الذي اتجه فيه رأي الجماعة إلى المفاوضة في التسليم، كانت تبذل في الخفاء مساع أخرى لتحقيق ما يمكن تحقيقه من الضمانات والمغانم الخاصة لأبي عبد الله وأفراد أسرته ووزرائه، وكان الملكان الكاثوليكيان يرميان إلى استخلاص غرناطة بأي ثمن غير الحرب، ولا يدّخران وسعاً في بذل أية تضحية أو منحة لإغراء الزعماء والقادة لتذليل هذه المهمة. وهكذا كلّلت هذه المساعي الخفية بالنجاح، وفي نفس الوقت الذي عقدت فيه معاهدة التسليم، عقدت معاهدة سريّة أخرى يمنح فيها أبو عبد الله