أنجاد الفرسان، وخبت قوى الدفاع، ونضبت الأقوات والمؤن، واشتد البلاء بالناس، وغاض كل أمل في تلقي الإمداد من عدوة المغرب، وصرّح "الجماعة" بأن الشعب لا يقوى بعد على تحمل ويلات الدفاع، وأنه لم يبق سوى التسليم أو الموت، واتفق الجميع على وجوب التسليم (١)، ولم يرتفع بالاعتراض غير صوت واحد هو صوت موسى بن أبي الغسّان، فقد حاول كعادته أن يبث بكلماته الملتهبة قبساً أخيراً من الحماسة، وكان مما قال:"لم تنضب كل مواردنا بعد، فما زال لدينا مورد هائل للقوة كثيراً ما أدّى إلى المعجزات: ذاك هو يأسنا، فلنعمل على إثارة الشعب، ولنضع السلاح في يده، ولنقاتل العدو حتى آخر نسمة، وإنه خير لي أن أُحصى بين الذين ماتوا دفاعاً عن غرناطة، من أن أُحصى بين الذين شهدوا تسليمها".
على أن كلماته لم تؤثر في هذه المرة، فقد كان يخاطب رجالاً نضب الأمل في قلوبهم، وغاضت فيهم كل حماسة، ووصلوا إلى حالة من اليأس لا تنجع فيها البطولة، ولا يحسب للأبطال حساب، بل يعلو نصح الشيوخ ويغلب. وهكذا حدث، فإن السلطان أبا عبد الله فوّض الأمر للجماعة، واتفق الجماعة من خاصة وعامة على مفاوضة ملك قشتالة في التسليم، واختير الوزير القائد أبو القاسم عبد الملك للقيام بتلك المهمة، وكان ذلك في أواخر سنة (٨٩٦ هـ - تشرين الأول - أكتوبر ١٤٩١ م).