اقتربت سرية من النصارى دهمها الفرسان المسلمون، وأثخثوا فيها. ومزّقت على هذا النحو صفوف من النصارى، وكان موسى يقول لفرسانه:"لم يبق سوى الأرض التي نقف عليها، فإذا فقدناها فقدنا الاسم والوطن". وأخيراً رأى ملك قشتالة أن يزحف بقواته على أسوار المدينة، فخرج المسلمون إلى لقائه، وعلى رأسهم أبو عبد الله وموسى، ونشبت بين الفريقين في فحص غرناطة عدّة معارك دموية، وكان الفرسان المسلمون وعلى رأسهم موسى روح المعركة وقوامها، وكان أبو عبد الله يقود الحرس الملكي، وكان القتال رائعاً خضب فيه كل شبر من الأرض بدماء الفريقين، ولكن المشاة المسلمين كانوا ضعافاً لا يعتمد عليهم، فمزقوا بسرعة، وتبعهم فرسان الحرس الملكي إلى أبواب المدينة وعلى رأسهم أبو عبد الله، وعبثاً حاول موسى أن يجمع شمل الجند، وأن يدعوهم للزود عن أوطانهم ونسائهم وكل ما هو مقدّس لديهم، وألفى نفسه وحيداً في الميدان مع فرسانه المخلصين، وقد تضاءل عددهم وأثخن الباقون منهم جراحاَّ، فاضطر عندئذٍ أن يرتدّ إلى المدينة وهو يرتجف غضباً ويأساً.
وهنا أوصد المسلمون أبواب المدينة وامتنعوا بأسوارها جزعين مكتئبين، يرون شبح النهاية المحتومة ماثلاً، فلم تبق سوى أيام أو أسابيع قلائل، حتى يصبح سقوط الوطن في يد العدو أمراً واقعاً، وحتى تصبح أنفسهم وأموالهم وحرياتهم ودينهم رهناً في يد من لا يرحمهم. وكان قد مضى على حصار غرناطة منذ بدأ الربيع حتى دخول الشتاء زهاء سبعة أشهر، والمسلمون يغالبون أهوال الحصار، وتتفاقم محنتهم شيئاً فشيئاً. فلما جاءت خاتمة المعارك مبدّدة لكل أمل في الإنقاذ، واشتد فتك الجوع والحرمان والمرض، ودبّ اليأس إلى قلوب الناس جميعاً، لم يبق مناص من إعادة النظر في الموقف. فدعا أبو عبد الله مجلساً من كبار الجند والفقهاء والأعيان، فاجتمعوا في بهو الحمراء الكبير "بهو قمارش"، واليأس بادٍ في وجوههم، وشرح لهم أبو القاسم عبد الملك كيف وصل الخطب إلى ذروته، فهلكت